الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

لما تقرر في التي قبل هذه أن الله يجزي قوماً بكسبهم ويعاقبهم بذنوبهم واجترامهم، أكد ذلك بقوله تعالى: { من عمل صالحاً فلنفسه }.

وقوله: { فلنفسه } هي لام الحظ، لأن الحظوظ والمحاب إنما يستعمل فيها اللام التي هي كلام الملك، تقول الأمور لزيد متأتية، وتستعمل في ضد ذلك على، فتقول: الأمور على فلان مستصعبة، وتقول: لزيد مال وعليه دين، وكذلك جاء العمل الصالح في هذه الآية باللام والإشارة بـ " على ".

وقوله تعالى: { ثم إلى ربكم ترجعون } معناه إلى قضائه وحكمه، و { الكتاب } في قوله: { آتينا بني إسرائيل الكتاب } هو التوراة. { والحكم } هو السنة والفقه، فيقال إنه لم يتسع فقه الأحكام على لسان نبي ما اتسع على لسان موسى عليه السلام: { والنبوءة } هي ما تكرر فيهم من الأنبياء.

وقوله تعالى: { ورزقناهم من الطيبات } يعني المستلذات الحلال، وبهذين تتم النعمة ويحسن تعديدها، وهذه إشارة إلى المن والسلوى، وطيبات الشام بعد، إذ هي الأرض المباركة، وقد تقدم القول في معنى { الطيبات } ، وتلخيص قول مالك والشافعي في ذلك.

وقوله تعالى: { على العالمين } يريد على عالم زمانهم. والبينات من الأمر: هو الوحي الذي فصلت لهم به الأمور.

ثم أوضح تعالى خطأهم وعظمه بقوله: { فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم } وذلك أنهم لو اختلفوا اجتهاداً في طلب صواب لكان لهم عذر في الاختلاف، وإنما اختلفوا بغياً وقد تبينوا الحقائق، ثم توعدهم تعالى بوقف أمرهم على قضائه بينهم يوم القيامة.