الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }

" البينات " التي جاء بها عيسى عليه السلام هي: إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص، إلى غير ذلك. وقال قتادة: الإنجيل. والحكمة: النبوءة قاله السدي وغيره.

وقوله: { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } قال أبو عبيدة: { بعض } بمعنى كل، وهذا ضعيف ترده اللغة، ولا حجة له من قول لبيد:

أو يعتلق بعض النفوس حمامها   
لأنه أراد نفسه ونفس من معه، وذلك بعض النفوس، وإنما المعنى الذي ذهب إليه الجمهور، أن الاختلاف بين الناس هو في أمور كثيرة لا تحصى عدداً، منها أمور أخروية ودينية، ومنها ما لا مدخل له في الدين، فكل نبي فإنما يبعث ليبين أمر الأديان والآخرة، فذلك بعض ما يختلف فيه.

وقوله تعالى: { هذا صراط مستقيم } حكاية عن عيسى عليه السلام إذ أشار إلى شرعه. و: { الأحزاب } المذكورون: قال جمهور المفسرين أراد: اختلف بنو إسرائيل وتحزبوا، فمنهم من آمن به، وهو قليل، وكفر الغير، وهذا إذا كان معهم حاضراً. وقال قتادة: { الأحزاب } هم الأربعة الذين كان الرأي والمناظرة صرفت إليهم في أمر عيسى عليه السلام. وقال ابن حبيب وغيره: { الأحزاب } النصارى افترقت مذاهبهم فيه بعد رفعه عليه السلام، فقالت فرقة: هو الله، وهم اليعقوبية قال الله عز وجل:لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } [المائدة: 17]. وقالت فرقة: هو ابن الله، وهم النسطورية قال الله تعالى فيهم:وقالت النصارى المسيح ابن الله } [التوبة: 30]، وقالت فرقة: هو ثالث ثلاثة، وهم الملكانية قال الله تعالى فيهم:لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } [المائدة: 73].

وقوله تعالى: { من بينهم } بمعنى من تلقائهم ومن أنفسهم ثار شرهم، ولم يدخل عليهم الاختلاف من غيرهم. والضمير في: { ينظرون } لقريش، والمعنى: ينتظرون. و: { بغتة } معناه: فجأة دون مقدمة ولا إنذار بها.

ثم صرف تعالى بعض حال القيامة، وإنها لهول مطلعها والخوف المطبق بالناس فيها يتعادى ويتباغض كل خليل كان في الدنيا على غير تقى، لأنه يرى أن الضرر دخل عليه من قبل خليله، وأما المتقون فيرون أن النفع دخل بهم من بعضهم على بعض، هذا معنى كلام علي رضي الله عنه.

وقوله: { يا عبادي } المعنى يقال لهم، أي للمتقين.

وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: " يا عباديَ " بفتح الياء، وهذا هو الأصل. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: " يا عبادي " بسكون الياء. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم " يا عباد " بحذف الياء. قال أبو علي: وحذفها أحسن، لأنه في موضع تنوين وهي قد عاقبته، فكما يحذف التنوين في الاسم المنادى المفرد، كذلك تحذف الياء هنا لكونها على حرف، كما أن التنوين كذلك، ولأنها لا تنفصل من المضاف كما لا ينفصل التنوين من المنون.

وذكر الطبري عن المعتمر عن أبيه أنه قال: سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع، فينادي مناد: { لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } فيرجوها الناس كلهم، قال فيتبعها.الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين } [الزخرف: 69] قال: فييأس منها جميع الكفار.

وقرأ الحسن والزهري وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر ويعقوب: " لا خوفَ " بنصب الفاء من غير تنوين. وقرأ ابن محيصن برفع الفاء من غير تنوين.