الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } * { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ }

تقدم القول في الحروف في أوائل السور.

وقوله: { والكتاب } خفض بواو القسم. و: { المبين } يحتمل أن يكون من أبان الذي هو بمعنى بان، أي ظهر، فلا يحتاج إلى مفعول، ويحتمل أن يكون معدى من بان، فهذا لا بد من مفعول تقديره: المبين الهدى أو الشرع ونحوه.

وقوله تعالى: { إنا جعلناه } معناه: سميناه وصيرناه، وهو إخبار عليه وقع القسم، والضمير في: { جعلناه } عائد على: { الكتاب } ، و: { عربياً } معناه: بلسانكم لئلا يبقى لكم عذر.

وقوله: { لعلكم تعقلون } ترج بحسب معتقد البشر، أي إذا أبصر المبصر من البشر هذا الفعل منا ترجى منه أن يعقل الكلام ويفهم.

وقوله تعالى: { وإنه } عطف على قوله: { إنا جعلناه } وهذا الإخبار الثاني واقع أيضاً تحت القسم. و: { أم الكتاب } اللوح المحفوظ، وهذا فيه تشريف للقرآن وترفيع.

واختلف المتأولون كيف هو في { أم الكتاب } ، فقال عكرمة وقتادة والسدي وعطية بن سعيد: القرآن بأجمعه فيه منسوخ، ومنه كان جبريل عليه السلام ينزل، وهنالك هو علي حكيم. وقال جمهور الناس: إنما في اللوح المحفوظ ذكره ودرجته ومكانته من العلو والحكمة.

وقرأ جمهور الناس: " في أُم " بضم الهمزة، وقرأها بكسر الهمزة يوسف والي العراق وعيسى بن عمر.

وقوله: { أفنضرب } بمعنى: أفنترك، تقول العرب أضربت عن كذا وضربت إذا أعرضت وتركته. و: { الذكر } هنا الدعاء إلى الله والتذكير بعذابه والتخويف من عقابه، وقال أبو صالح: { الذكر } هنا هو العذاب نفسه، وقال الضحاك ومجاهد: { الذكر } القرآن.

وقوله تعالى: { صفحاً } انتصابه كانتصابصنع الله } [النمل: 88]، فيحتمل أن يكون بمعنى العفو والغفر للذنب، فكأنه يقول: أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفواً عنكم وغفراً لإجرامكم إذ كنتم أو من أجل أن كنتم قوماً مسرفين، أي هذا لا يصلح، وهذا قول ابن عباس ومجاهد، ويحتمل قوله: { صفحاً } أن يكون بمعنى مغفولاً عنه، أي نتركه يمر لا تؤخذون بقبوله ولا بتدبر ولا تنبهون عليه، وهذا المعنى نظير قول الشاعر: [الطويل]

تمر الصبا صفحاً بساكن ذي الغضا   ويصدع قلبي إن يهب هبوبها
أي تمر مغفولاً عنها، فكأن هذا المعنى: أفنترككم سدى، وهذا هو منحى قتادة وغيره، ومن اللفظة قول كثير: [الطويل]

صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلة   فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت
وقرأ السميط بن عمرو السدوسي: " صُفحاً " بضم الصاد. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: " إن كنتم " بكسر الألف، وهو جزاء دل ما تقدم على جوابه. وقرأ الباقون والأعرج وقتادة: " أن كنتم " بفتح الألف. بمعنى من أجل أن، وفي قراءة ابن مسعود: " إذ كنتم ". والإسراف في الآية: هو الكفر والضلال البعيد في عبادة غير الله عز وجل والتشريك به.

السابقالتالي
2