الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } * { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } * { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }

الضمير في: { جعلوا } لكفار قريش والعرب، والضمير في: { له } لله تعالى: والجزء: القطع من الشيء، وهو بعض الكل، فكأنهم جعلوا جزءاً من عباده نصيباً له وحظاً، وذلك في قول كثير من المتأولين قول العرب: الملائكة بنات الله، وقال بعض أهل اللغة الجزء: الإناث، يقال أجزأت المرأة إذا ولدت أنثى، ومنه قول الشاعر: [البسيط]

إن أجزأتْ حرة يوماً فلا عجب   قد تجزئ المرأة المذكار أحيانا
وقد قيل في هذا البيت إنه بيت موضوع. وقال قتادة: المراد بالجزء: الأصنام وفرعون وغيره ممن عبد من دون الله، أي جزءاً نداً، فعلى هذا التأويل فتعقيب الكفرة في فصلين في أمر الأصنام وفي أمر الملائكة، وعلى هذا التأويل الأول فالآية كلها في أمر الملائكة.

وقوله تعالى: { إن الإنسان لكفور } أي بلفظ الجنس العام، والمراد بعض الإنسان، وهو هؤلاء الجاعلون ومن أشبههم. و: { مبين } في هذا الموضع غير متعد.

وقوله تعالى: { أم اتخذ } إضراب وتقرير، وهذه حجة بالغة عليهم. إذ المحمود من الأولاد والمحبوب قد خوله الله بني آدم، فكيف يتخذ هو لنفسه النصيب الأدنى. { وأصفاكم } معناه: خصكم وجعل ذلك صفوة لكم، ثم قامت الحجة عليهم في هذا المعنى وبانت بقوله تعالى: { وإذا بشر } الآية. و؛ { مسوداً } خبر: { ظل }. والكظيم: الممتلئ غيظاً الذي قد رد غيظه إلى جوفه، فهو يتجرعه ويروم رده، وهذا محسوس عند الغيظ، ثم زاد توبيخهم وإفساد رأيهم بقوله: { أو من ينشأ }. و: { من } في موضع نصب بفعل يدل عليه: { جعلوا } كأنه قال: أو من ينشأ في الحلية وهو الذي خصصتم به الله ونحو هذا، والمراد به: { من } النساء، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، و: { ينشأ } معناه: ينبت ويكبر.

وقرأ جمهور القراء: " يَنشأ " بفتح الياء. وقرأ ابن عباس وقتادة: " يُنشىء " بضم الياء على تعدية الفعل بالهمزة. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: " يُنشأ " بضم الياء وفتح الشين على تعدية الفعل بالتضعيف، وهي قراءة ابن عباس أيضاً والحسن ومجاهد، وفي مصحف ابن مسعود: " أومن لا ينشأ إلا في الحلية ".

و: { الحلية } الحلي من الذهب والفضة والأحجار. و: { الخصام } المحاجة ومجاذبة المحاورة، وقل ما تجد امرأة إلا تفسد الكلام وتخلط المعاني، وفي مصحف ابن مسعود: " وهو في الكلام غير مبين ". و: { مبين } في هذه الآية متعد، والتقدير { غير مبين } غرضاً أو منزعاً ونحو هذا. وقال ابن زيد: المراد بـ: { من ينشأ في الحلية } الآية: الأصنام والأوثان، لأنهم كانوا يتخذون كثيراً منها من الذهب والفضة، وكانوا يجعلون الحلي على كثير منها.

ولما فرغ تعنيفهم على ما أتوا في جهة الله تعالى بقولهم: الملائكة بنات الله، بين تعالى فساداً في مقالتهم بعينها من جهة أخرى من الفساد، وذلك شنيع قولهم في عباد الله مختصين مقربين أنهم إناث.

السابقالتالي
2