الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }

{ أم } هذه هي منقطعة لا معادلة، وهي بتقدير بل وألف الاستفهام. والشركاء في هذه الآية: يحتمل أن يكون المراد بهم الشياطين والمغوين من أسلافهم، ويكون الضمير في { لهم } للكفار المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي شرع الشركاء لهم ما لم يأذن به الله، فالاشتراك ها هنا هو في الكفر والغواية، وليس بشركة الإشراك بالله، ويحتمل أن يكون المراد بـ " الشركاء ": الأصنام والأوثان على معنى: أم لهم أصنام جعلوها شركاء لله في ألوهيته، ويكون الضمير: في: { شرعوا } لهؤلاء المعاصرين من الكفار ولآبائهم. والضمير في: { لهم } للأصنام الشركاء، أي شرع هؤلاء الكفار لأصنامهم وأوثانهم ما لم يأذن به الله، و: { شرعوا } معناه: أثبتوا ونهجوا ورسموا. و { الدين } هنا العوائد والأحكام والسيرة، ويدخل في ذلك أيضاً المعتقدات، لأنهم في جميع ذلك وضعوا أوضاعاً، فأما في المعتقدات فقولهم إن الأصنام آلهة، وقولهم إنهم يعبدون الأصنام زلفى وغير ذلك، وأما في الأحكام فكالبحيرة والوصيلة والحامي وغير ذلك من السوائب ونحوها، والإذن في هذه الآية الأمر. و { كلمة الفصل }: هي ما سبق من قضاء الله تعالى بأنه يؤخر عقابهم إلى الآخرة والقضاء بينهم: هو عذابهم في الدنيا ومجازاتهم.

وقرأ جمهور الناس: " وإن الظالمين " بكسر الهمزة على القطع والاستئناف. وقرأ مسلم بن جندب " وأن الظالمين " بفتح الهمزة، وهي في موضع رفع عطف على: { كلمة } المعنى: وأن الظالمين لهم في الآخرة عذاب.

وقوله: { ترى الظالمين } هي رؤية بصر، و { الظالمين } مفعول، و: { مشفقين } حال وليس لهم في هذا الإشفاق مدح، لأنهم إنما أشفقوا حين نزل بهم ووقع، وليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من الساعة كما تقدم.

وقوله تعالى: { وهو واقع بهم } جملة في موضع الحال. والروضات: المواضع المؤنفة النظرة، وهي مرتفعة في الأغلب من الاستعمال، وهي الممدوحة عند العرب وغيرهم، ومن ذلك قوله تعالىكمثل جنة بربوة } [البقرة: 265] ومن ذلك تفضيلهم روضات الحزن لجودة هوائها. قال الطبري: ولا تقول العرب لموضع الأشجار رياض.

وقوله تعالى: { ذلك الذي يبشر الله عباده } إشارة إلى قوله تعالى في الآية الأخرى:وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً } [الأحزاب: 47].

وقرأ جمهور الناس: " يُبشِّرهم " بضم الياء وفتح الباء وشد الشين المكسورة، وذلك على التعدية بالتضعيف. وقرأ مجاهد وحميد: " يُبْشِر " بضم الياء وسكون الباء وكسر الشين على التعدية بالهمزة. قرأ ابن مسعود وابن يعمر وابن أبي إسحاق والجحدري والأعمش وطلحة: " يَبشُر " بفتح الياء وضم الشين، ورويت عن ابن كثير. وقال الجحدري في تفسيرها ترى النضرة في الوجوه.

وقوله تعالى: { قل لا أسألكم عليه إلا المودة في القربى } اختلف الناس في معناه، فقال له ابن عباس وغيره: هي آية مكية نزلت في صدر الإسلام ومعناها استكفاف شر الكفار ودفع أذاهم أي ما أسألكم على القرآن والدين والدعاء إلى الله إلا أن تودوني لقرابة هي بيني وبينكم فتكفوا عني أذاكم.

السابقالتالي
2