الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }

وقوله تعالى: { فلنذيقن } الفاء دخلت على لام القسم، وهي آية وعيد لقريش. والعذاب الشديد: هو عذاب الدنيا في بدر وغيرها. والجزاء بأسوأ أعمالهم: هو عذاب الآخرة.

وقوله تعالى: { ذلك } إشارة إلى الجزاء المتقدم.. و: { جزاء أعداء الله } خبر الابتداء. و: { النار } بدل من قوله: { جزاء أعداء } ويجوز أن يكون: { ذلك } خبر ابتداء تقديره: الأمر ذلك، ويكون قوله: { جزاء أعداء } ابتداء، و: { النار } خبره.

وقوله: { لهم فيها دار الخلد } أي موضع البقاء ومسكن العذاب الدائم، فالظرفية في قوله: { فيها } متمكنة على هذا التأويل، ويحتمل أن يكون المعنى: هب لهم دار الخلد، ففي قوله: { فيها } معنى التجريد كما قال الشاعر:

وفي الله إن لم ينصفوا حكم عدل   
وفي قراءة عبد الله بن مسعود: " ذلك جزاء أعداء الله النار دار الخلد " ، وسقط { لهم فيها } وجحودهم بآيات الله مطرد في علاماته المنصوبة لملقه وفي آيات كتابه المنزلة على نبيه.

ثم ذكر عز وجل مقالة كفار يوم القيامة إذا دخلوا النار فإنهم يرون عظيم ما حل بهم وسوء منقلبهم فتجول أفكارهم فيمن كان سبب غوايتهم وبادي ضلالتهم فيعظم غيظهم وحنقهم عليه ويودون أن يحصل في أشد عذاب فحينئذ يقولون { ربنا أرنا اللذين أضلانا } ، وظاهر اللفظ يقتضي أن الذي في قولهم: { اللذين } إنما هو للجنس، أي { أرنا } كل مغوٍ ومضل { من الجن والإنس } ، وهذا قول جماعة من المفسرين. وقال علي بن أبي طالب وقتادة. وطلبوا ولد آدم الذي سن القتل والمعصية من البشر وإبليس الأبالسة من الجن.

قال القاضي أبو محمد: وتأمل هل يصح هذا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لأن ولد آدم مؤمن عاص، وهؤلاء إنما طلبوا المضلين بالكفر المؤدي إلى الخلود، وإنما القوي أنهم طلبوا النوعين، وقد أصلح بعضهم هذا القول بأن قال: يطلب ولد آدم كل عاص دخل النار من أهل الكبائر، ويطلب إبليس كل كافر، ولفظ الآية يزحم هذا التأويل، لأنه يقتضي أن الكفرة إنما طلبوا اللذين أضلا.

وقرأ نافع وحمزة والكسائي: " أرِنا " بكسر الراء، وهي رؤية عين، ولذلك فهو فعل يتعدى إلى مفعولين. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم: " أرْنا " بسكون الراء، فقال هشام بن عمار: هو خطأ. وقال أبو علي: هي مخففة من: { أرنا } كما قالوا: ضحك وفخذ. وقرأ أبو عمرو: بإشمام الراء الكسر، ورويت عن أهل مكة.

وقوله: { نجعلهما تحت أقدامنا } يريدون في أسفل طبقة من النار، وهي أشد عذاباً. وهي درك المنافقين.

وقوله تعالى: { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } آية وعد للمؤمنين، " قال سفيان بن عبد الله الثقفي، قلت للنبي عليه السلام: أخبرني بأمر أعتصم به، فقال: " قل ربي الله ثم استقم، " قلت فما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه فقال: هذا ".


السابقالتالي
2