الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ }

لما سددت الآيات صفات الله تعالى التي تبين فساد حال الأصنام كان من أبينها أن الأصنام موات جماد، وأنه عز وجل الحي القيوم، وصدور الأمور من لدنه، وإيجاد الأشياء وتدبير الأمر دليل قاطع على أنه حي لا إله إلا هو.

وقوله: { فادعوه مخلصين له الدين، الحمد لله رب العالمين } كلام متصل مقتضاه: ادعوه مخلصين بالجهد، وبهذه الألفاظ قال ابن عباس: من قال لا إله إلا الله، فليقل على أثرها: { الحمد لله رب العالمين }. وقال نحو هذا سعيد بن جبير ثم قرأ هذه الآية.

ثم أمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يصدع بأنه نهي عن عبادة الأصنام التي عبدها الكفار من دون الله، ووقع النهي لما جاءه الوحي والهدي من ربه تعالى، وأمر بالإسلام الذي هو الإيمان والأعمال. وقوله: { لرب العالمين } أي إن استسلم لرب العالمين واخضع له بالطاعة.

ثم بين تعالى أمر الوحدانية والألوهية بالعبرة في ابن آدم وتدريج خلقه، فأوله خلق آدم عليه السلام من تراب من طين لازب، فجعل البشر من التراب كما كان منسلاً من المخلوق من التراب. وقوله تعالى: { من نطفة } إشارة إلى التناسل من آدم فمن بعده. والنطفة: الماء الذي خلق المرء منه. والعلقة: الدم الذي يصير من النطفة. والطفل هنا: اسم جنس. وبلوغ الأشد: اختلف فيه: فقيل ثلاثون، وقيل ستة وثلاثون، وقيل أربعون: وقيل ستة وأربعون، وقيل عشرون، وقيل ثمانية عشر، وقيل خمسة عشر، وهذه الأقوال الأخيرة ضعيفة في الأشد.

وقوله تعالى: { ومنكم من يتوفى من قبل } عبارة تتردد في الأدراج المذكورة كلها، فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلاً، وآخرون قبل الأشد، وآخرون قبل الشيخوخة.

وقوله: { ولتبلغوا أجلاً مسمى } أي هذه الأصناف كلها مخلوقة ميسرة ليبلغ كل واحد منها أجلاً مسمى لا يتعداه ولا يتخطاه ولتكون معتبراً. { ولعلكم } أيها البشر { تعقلون } الحقائق إذا نظرتم في هذا وتدبرتم حكمة الله تعالى.