الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } * { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } * { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ }

أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالإنذار للعالم والتحذير من يوم القيامة وأهواله، وهو الذي أراد بـ { يوم الآزفة } ، قاله مجاهد وقتادة وابن زيد: ومعنى { الآزفة }: القريبة، من أزف الشيء إذا قرب، و { الآزفة } في الآية صفة لمحذوف قد علم واستقر في النفوس هوله، فعبر عنه بالقرب تخويفاً، والتقدير: يوم الساعة الآزفة أو الطامة الآزفة ونحو هذا فكما لو قال: وأنذرهم الساعة لعلم هولها بما استقر في النفوس من أمرها، فكذلك علم هنا إذا جاء بصفتها التي تقتضي حلولها واقترابها.

وقوله: { إذ القلوب لدى الحناجر } معناه: عند الحناجر، أي قد صعدت من شدة الهول والجزع، وهذا أمر يحتمل أن يكون حقيقة يوم القيامة من انتقال قلوب البشر إلى حناجرهم وتبقى حياتهم، بخلاف الدنيا التي لا تبقى فيها لأحد مع تنقل قلبه حياة، ويحتمل أن يكون تجوزاً عبر عما يجده الإنسان من الجزع وصعود نفسه وتضايق حنجرته بصعود القلب، وهذا كما تقول العرب: كادت نفسي أن تخرج، وهذا المعنى يجده المفرط الجزع كالذي يقرب للقتل ونحو.

وقوله: { كاظمين } حال مما أبدل منه قوله: { إذ القلوب لدى الحناجر } أو مما تنضاف إليه القلوب، لأن المراد إذ قلوب الناس لدى حناجرهم، وهذا كقوله تعالى:تشخص فيه الأبصار مهطعين إلى الداع } [القمر: 8] أراد تشخص فيه أبصارهم، والكاظم: الذي يرد غيظه وجزعه في صدره، فمعنى الآية أنهم يطمعون برد ما يجدونه في الحناجر والحال تغالبهم. ثم أخبرهم تعالى أن الظالمين ظلم الكفر في تلك الحال ليس لهم حميم، أي قريب يحتم لهم ويتعصب، ولا لهم شفيع يطاع فيهم، وإن هم بعضهم بالشفاعة لبعض فهي شفاعة لا تقبل، وقد روي أن بعض الكفرة يقولون لإبليس يوم القيامة: اشفع لنا، فيقوم ليشفع، فتبدو منه أنتن ريح يؤذي بها أهل المحشر، ثم ينحصر ويكع ويخزى. و: { يطاع } في موضع الصفة لـ { شفيع } ، لأن التقدير: ولا شفيع يطاع، وموضع { يطاع } يحتمل أن يكون خفضاً حملاً على اللفظ، ويحتمل أن يكون رفعاً عطفاً على الموضع قبل دخول { من }.

قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية كلها عندي اعتراض في الكلام بليغ.

وقوله: { يعلم خائنة الأعين } متصل بقوله:سريع الحساب } [غافر: 17] لأن سرعة حسابه تعالى للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكرة ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون. وقالت فرقة: { يعلم } متصل بقوله:لا يخفى على الله منهم شيء } [غافر: 16]، وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية وكثرة الحائل. والخائنة: مصدر كالخيانة، ويحتمل في الآية أن يكون { خائنة } اسم فاعل، كما تقول: ناظرة الأعين إذا خانت في نظرها. وهذه الآية عبارة عن علم الله تعالى بجميع الخفيات، فمن ذلك كسر الجفون والغمز بالعين أو النظرة التي تفهم معنى، أو يريد بها صاحبها معنى، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه عبد الله بن أبي سرح ليسلم بعد ردته بشفاعة عثمان، فتلكأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بايعه، ثم قال عليه السلام لأصحابه:

السابقالتالي
2