الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }

تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، وتلك الأقوال كلها تترتب في قوله: { حم } ويختص هذا الموضع بقول آخر، قاله الضحاك. والكسائي: إن { حم } هجاء " حُمَّ " بضم الحاء وشد الميم المفتوحة، كأنه يقول: حُمَّ الأمر ووقع تنزيل الكتاب من الله. وقال ابن عباس:الر } [يونس:1، هود:1، إبراهيم: 1، يوسف: 1، الحجر: 1] و:حم } [غافر: 1، فصلت: 1، الشورى: 1، الزخرف: 1، الدخان: 1، الجاثية: 1، الأحقاف: 1] و:ن } [القلم: 1] هي حروف الرحمن مقطعة في سور، وقال القرظي أقسم الله بحلمه وملكه. وسأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم عن: { حم } ما هو؟ فقال بدء أسماء وفواتح سور.

وقرأ ابن كثير: فتح الحاء، وروي عن أبي عمرو: كسر الحاء على الإمالة، وروي عن نافع: الفتح، وروي عنه: الوسط بينهما، وكذلك اختلف عن عاصم، وروي عن عيسى كسر الحاء على الإمالة، وقرأ جمهور الناس: " حَمْ " بفتح الحاء وسكون الميم، وقرأ عيسى بن عمر أيضاً { حم } بفتح الحاء وفتح الميم الأخيرة في النطق، ولذلك وجهان: أحدهما التحريك للالتقاء مع الياء الساكنة، والآخر: حركة إعراب، وذلك نصب بفعل مقدر تقديره: " اقرأ حم " ، وهذا على أن تجري مجرى الأسماء، الحجة منه قول شريح بن أوفى العبسي: [الطويل]

يذكرني حم والرمح شاجر   فهلا تلا حم قبل التقدم
وقول الكميت: [الطويل]

وجدنا لكم في آل حم آية   تأولها منا تقيّ ومعرب
وقرأ أبو السمال: { حم } بفتح الحاء وكسر الميم الآخرة، وذلك لالتقاء الساكنين.

و: { حم } آية: و: { تنزيل } رفع بالابتداء، والخبر في قوله: { من الله } وعلى القول بأن { حم } إشارة إلى حروف المعجم يكون قوله: { حم } خبر ابتداء: و: { الكتاب } القرآن.

وقوله: { غافر } بدل من المكتوبة، وإن أردت بـ { غافر } المضي، أي غفرانه في الدنيا وقضاؤه بالغفران وستره على المذنبين، فيجوز أن يكون { غافر } صفة، لأن إضافته إلى المعرفة تكون محضة، وهذا مترجح جداً، وإذا أردت بـ { غافر } الاستقبال أو غفرانه يوم القيامة فالإضافة غير محضة، و: { غافر } نكرة فلا يكون نعتاً، لأن المعرفة لا تنعت بالنكرة، وفي هذا نظر. وقال الزجاج: { غافر } { وقابل } صفتان. و: { شديد العقاب } بدل، و: { الذنب } اسم الجنس. وأما { التوب } فيحتمل أن يكون مصدراً كالعوم والنوم فيكون اسم جنس، ويحتمل أن يكون جمع توبة كتمرة وتمر، وساعة وساع. وقبول التوبة من الكافر مقطوع لإخبار الله تعالى، وقبول التوبة من العاصي في وجوبها قولان لأهل السنة، وحكى الطبري عن أبي بكر بن عياش أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني قتلت، فهل لي من توبة؟ فقال نعم، اعمل ولا تيأس، ثم قرأ هذه الآيات إلى { قابل التوب }.

السابقالتالي
2