الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } * { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } * { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } * { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } * { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

هذه ابتداء مخاطبة في معنى توحيد الله تعالى وتبيين علامات ذلك، وآيات الله: تعم آيات قدرته وآيات قرآنه والمعجزات الظاهرة على أيدي رسله. وتنزيل الرزق: هو في تنزيل المطر وفي تنزيل القضاء والحكم، قيل ما يناله المرء في تجارة وغير ذلك وقرأ جمهور الناس: " ويُنْزِل " بالتخفيف. وقرأ الحسن والأعرج وعيسى وجماعة: " وينَزِّل " بفتح النون وشد الزاي.

وقوله تعالى: { وما يتذكر إلا من ينيب } معناه: وما يتذكر تذكراً يعتد به وينفع صاحبه، لأنا نجد من لا ينيب يتذكر، لكن لما كان ذلك غير نافع عد كأنه لم يكن.

وقوله: { فادعوا الله } مخاطبة للمؤمنين أصحاب محمد عليه السلام. " وادعوا ": معناه: اعبدوا.

وقوله تعالى: { رفيع الدرجات } صفاته العلى، وعبر بما يقرب لأفهام السامعين، ويحتمل أن يريد بـ { رفيع الدرجات } التي يعطيها للمؤمنين ويتفضل بها على عباده المخلصين في جنة. و: { العرش } هو الجسم المخلوق الأعظم الذي السماوات السبع والأرضون فيه كالدنانير في الفلاة من الأرض.

وقوله تعالى: { يلقي الروح } قال الضحاك: { الروح } هنا هو الوحي القرآن وغيره مما لم يتل. وقال قتادة والسدي: { الروح } النبوءة ومكانتها كما قال تعالى:روحاً من أمرنا } [الشورى: 52] ويسمى هذا روحاً لأنه يحيي به الأمم والأزمان كما يحيي الجسد بروحه، ويحتمل أن يكون إلقاء الروح عاماً لكل ما ينعم الله به على عباده المعتدين في تفهيمه الإيمان والمعتقدات الشريفة. والمنذر على هذا التأويل: هو الله تعالى. قال الزجاج: { الروح }: كل ما به حياة الناس، وكل مهتد حي، وكل ضال كالميت.

وقوله: { من أمره } إن جعلته جنساً للأمور فـ { من } للتبعيض أو لابتداء الغاية، وإن جعلنا الأمر من معنى الكلام: فـ { من } إما لابتداء الغاية، وإما بمعنى الباء، ولا تكون للتبعيض بتة وقرأ أبي بن كعب: وجماعة: " لينذِر " بالياء وكسر الذال، وفي الفعل ضمير يحتمل أن يعود على الله تعالى، ويحتمل أن يعود على { الروح } ، ويحتمل أن يعود على { من } في قوله: { من يشاء }. وقرأ محمد بن السميفع اليماني: " لينذَر " بالياء وفتح الذال، وضم الميم من " يومُ " وجعل اليوم منذراً على الاتساع. وقرا جمهور الناس: " لتنذر " بالتاء على مخاطبة محمد عليه السلام، ويومَ " بالنصب.

وقرأ أبو عمرو ونافع وجماعة: " التلاق " دون ياء. وقرأ أبو عمرو أيضاً وعيسى ويعقوب: " التلاقي " بالياء، والخلاف فيها كالخلاف الذي مر فيالتنادي } [غافر: 32]، ومعناه: تلاقي جميع العالم بعضهم ببعض، وذلك أمر لم يتفق قبل ذلك اليوم، وقال السدي: معناه: تلاقي أهل السماء وأهل الأرض، وقيل معناه تلاقي الناس مع بارئهم، وهذا المعنى الأخير هو أشدها تخويفاً، وقيل يلتقي المرء وعمله.

السابقالتالي
2