الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

في قوله: { لا يستوي } إبهام على السامع هو أبلغ من تحديد المنزلة التي بين المجاهد والقاعد، فالمتأمل يمشي مع فكرته ولا يزال يتخيل الدرجات بينهما، و { القاعدون } عبارة عن المتخلفين، إذ القعود هيئة من لا يتحرك إلى الأمر المقعود عنه في الأغلب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة، " غيرُ أولي الضرر " برفع الراء من غير، وقرأ الأعمش وأبو حيوة " غيرِ " بكسر الراء فمن رفع جعل غير صفة للقاعدين عند سيبويه، كما هي عنده صفة في قوله تعالى:غير المغضوب } [الفاتحة:7] بجر غير صفة، ومثله قول لبيد: [الرمل]

وَإذَا جُوزِيتَ قِرْضاً فاجْزِهِ   إنَّما يُجْزَى الْفَتى غَيْرَ الْجَمَلْ
قال المؤلف: كذا ذكره أبو علي، ويروى ليس الجمل، ومن قرأ بنصب الراء جعله استثناء من القاعدين، قال أبو الحسن: ويقوي ذلك أنها نزلت بعدها على طريق الاستثناء والاستدراك.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد يتحصل الاستدراك بتخصيص القاعدين بالصفة، قال الزجّاج: يجوز أيضاً في قراءة الرفع أن يكون على جهة الاستثناء، كأنه قال: " لا يستوي القاعدون والمجاهدون إلا أولو الضرر " فإنهم يساوون المجاهدين.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مردود، لأن { أولي الضرر } لا يساوون المجاهدين، وغايتهم أن خرجوا من التوبيخ والمذمة التي لزمت القاعدين من غير عذر، قال: ويجوز في قراءة نصب الراء أن يكون على الحال، وأما كسر الراء فعلى الصفة للمؤمنين، وروي من غير طريق أن الآية نزلت { لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون } فجاء ابن أم مكتوم حين سمعها، فقال: يا رسول الله هل من رخصة؟ فإني ضرير البصر فنزلت عند ذلك { غير أولي الضرر } قال الفلتان بن عاصم كنا قعوداً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه، وكان إذا أوحي إليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وبصره لما يأتيه من الله، وكنا نعرف ذلك في وجهه، فلما فرغ قال للكاتب: اكتب { لا يستوي القاعدونَ من المؤمنين والمجاهدون } إلى آخر الآية. قال: فقام الأعمى، فقال: يا رسول الله ما ذنبنا؟ قال: فأنزل الله على رسوله، فقلنا للأعمى: إنه ينزل عليه، قال: فخاف أن ينزل فيه شيء فبقي قائماً مكانه يقول: أتوب على رسول الله حتى فرغ رسول الله، فقال الكاتب: اكتب { غير أولي الضرر } وأولو الضرر هم أهل الأعذار إذ قد أضرت بهم حتى منعتهم الجهاد. قاله ابن عباس وغيره. وقوله تعالى { بأموالهم وأنفسهم } هي الغاية في كمال الجهاد. ولما كان أهل الديوان متملكين بذلك العطاء يصرفون في الشدائد وتروعهم البعوث والأوامر. قال بعض العلماء: هم أعظم أجراً من المتطوع لسكون جأشه ونعمة باله في الصوائف الكبار ونحوها.

السابقالتالي
2