الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

" المتعمد " في لغة العرب القاصد إلى الشيء، واختلف العلماء في صفة المتعمد في القتل، فقال عطاء وإبراهيم النخعي وغيرهما: هو من قتل بحديدة كالسيف أو الخنجر وسنان الرمح ونحو ذلك من المشحوذ المعد للقطع أو بما يعلم أن فيه الموت من ثقيل الحجارة ونحوه، وقالت فرقة: " المتعمد " كل من قتل بحديدة كان القتل أو بحجر أو بعصا أو بغير ذلك، وهذا قول الجمهور وهو الأصح، ورأى الشافعي وغيره أن القتل بغير الحديد المشحوذ هو شبه العمد، ورأوا فيه تغليظ الدية، ومالك رحمه الله لا يرى شبه العمد ولا يقول به في شيء، وإنما القتل عنده ما ذكره الله تعالى عمداً وخطأ لا غير، والقتل بالسم عنده عمد، وإن قال ما أردت إلا سكره، وقوله: { فجزاؤه جهنم } تقديره عند أهل السنة، فجزاؤه أن جازاه بذلك أي هو أهل ذلك ومستحقه لعظم ذنبه، ونص على هذا أبو مجلز وأبو صالح وغيرهما وهذا مبني على القول بالمشيئة في جميع العصاة قاتل وغيره، وذهبت المعتزلة إلى عموم هذه الآية، وأنها مخصصة بعمومها لقوله تعالى:ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء 48-116] وتوركوا في ذلك على ما روي عن زيد بن ثابت أنه قال: نزلت الشديدة بعد الهينة، يرد نزلت { ومن يقتل مؤمناً متعمداً } بعدويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء 48-116] فهم يرون أن هذا الوعيد نافذ حتماً على كل قاتل يقتل مؤمناً، ويرونه عموماً ماضياً لوجهه، مخصصاً للعموم في قوله تعالى:ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء: 48 و 116] كأنه قال: إلا من قتل عمداً.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأهل الحق يقولون لهم: هذا العموم منكسر غير ماض لوجهه من جهتين، إحداهما ما أنتم معنا مجمعون عليه من الرجل الذي يشهد عليه أو يقر بالقتل عمداً ويأتي السلطان أو الأولياء فيقام عليه الحد ويقتل قوداً، فهذا غير متبع في الآخرة، والوعيد غير نافذ عليه إجماعاً متركباً على الحديث الصحيح من طريق عبادة بن الصامت، أنه من عوقب في الدنيا فهو كفارة له، وهذا نقض للعموم، والجهة الأخرى أن لفظ هذه الآية ليس بلفظ عموم، بل لفظ مشترك يقع كثيراً للخصوص، كقوله تعالى:ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [المائدة:44] وليس حكام المؤمنين إذا حكموا بغير الحق في أمر بكفرة بوجه، وكقول الشاعر [زهير بن أبي سلمى]: [الطويل]

وَمَنْ لا يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاَحِهِ   يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ
وهذا إنما معناه الخصوص، لأنه ليس كل من لا يظلم يظلم، فهذه جهة أخرى تدل على أن العموم غير مترتب، وما احتجوا به من قول زيد بن ثابت فليس كما ذكروه، وإنما أراد زيد أن هذه الآية نزلت بعد سورة الفرقان، ومراده باللينة قوله تعالى:

السابقالتالي
2