الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } * { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }

سمى الله عز وجل الأب والداً لأن الولد منه ومن الوالدة، كما قال الشاعر: [الرجز]

بِحَيْثُ يَعْتشُّ الغُرَابُ البَائِضُ   
لأن البيض من الأنثى والذكر، قال قتادة وعكرمة وابن زيد: وسبب هذه الآية، أن العرب كان منها من لا يورث النساء ويقول: لا يرث إلا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف فنزلت هذه الاية، قال عكرمة: سببها خبر أم كحلة، مات زوجها وهو أوس بن سويد وترك لها بنتاً فذهب عم بنيها إلى أن لا ترث فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال العم: هي يا رسول الله لا تقاتل ولا تحمل كلاً ويكسب عليها ولا تكسب، واسم العم ثعلبة فيما ذكره. و { نصيباً مفروضاً } ، نصب على الحال، كذا قال مكي، وإنما هو اسم نصب كما ينصب المصدر في موضع الحال، تقديره: فرضاً لذلك جاز نصبه، كما تقول: لك عليَّ كذا وكذا حقاً واجباً، ولولا معنى المصدر الذي فيه ما جاز في الاسم الذي ليس بمصدر هذا النصب، ولكان حقه الرفع.

وقوله: { وإذا حضر القسمة } الآية، اختلف المتأولون فيمن خوطب بهذه الآية على قولين: أحدهما أنها مخاطبة للوارثين، والمعنى: إذا حضر قسمتكم لمال موروثكم هذه الأصناف الثلاثة، { فارزقوهم منه } ثم اختلف قائلو هذا القول، فقال سعيد بن المسيب وأبو مالك والضحاك وابن عباس فيما حكى عنه المهدوي: نسخ ذلك بآية المواريث. وكانت هذه قسمة قبل المواريث، فأعطى الله بعد ذلك كل ذي حق حقه، وجعلت الوصية للذين يحزنون ولا يرثون، وقال ابن عباس والشعبي ومجاهد وابن جبير: ذلك محكم لم ينسخ، وقال ابن جبير: وقد ضيع الناس هذه الآية، قال الحسن: ولكن الناس شحوا، وامتثل ذلك جماعة من التابعين، عروة بن الزبير وغيره، وأمر به أبو موسى الأشعري، واختلف القائلون بأحكامها، فقالت فرق: ذلك على جهة الفرض والوجوب أن يعطى الورثة لهذه الأصناف ما تفه وطابت به نفوسهم، كالماعون والثوب الخلق، وما خف كالتابوت، وما تعذر قسمه، وقال ابن جبير والحسن: ذلك على جهة الندب، فمن تركه فلا حرج عليه، واختلف في هذا القول إذا كان الوراث صغيراً لا يتصرف في ماله، فقال سعيد بن جبير وغيره، هذا على وجه المعروف فقط يقوله ولي الوارث دون عطاء ينفذ، وقالت فرقة: بل يعطي ولي الوراث الصغير من مال محجوره بقدر ما يرى، والقول الثاني فيمن خوطب بها: إن الخطاب للمحتضرين الذين يقسمون أموالهم بالوصية، فالمعنى: إذا حضركم الموت أيها المؤمنون، وقسمتم أموالكم بالوصية, وحضركم من لا يرث من ذي القرابة واليتامى فارزقوهم منه, قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وابن زيد قال: كانوا يقولون للوصي: فلان يقسم ماله، ومعنى " حضر ": شهد، إلا أن الصفة بالضعف واليتم والمسكنة تقضي أن ذلك هو علة الرزق، فحيث وجدت رزقوا وإن لم يحضروا القسمة، و { أولو }: اسم جمع لا واحد له من لفظه، ولا يكون إلا مضافاً للإبهام الذي فيه، وربما كان واحده من غير لفظه: ذو، واليتم: الانفراد واليتيم: الفرد، وكذلك سمي من فقد أباه يتيماً لانفراده، ورأى عبيدة ومحمد بن سيرين أن الرزق في هذه الآية، أن يصنع لهم طعام يأكلونه، وفعلا ذلك، ذبحا شاة من التركة، والضمير في قوله: { فارزقوهم } وفي قوله: { لهم } عائد على الأصناف الثلاثة، وغير ذلك من تفريق عود الضميرين كما ذهب إليه الطبري حكم - والقول المعروف: كل ما يؤنس به من دعاء أو عدة أو غير ذلك.

السابقالتالي
2 3