الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } * { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }

" كل " إنما تستعمل مضافة ظهر المضاف إليه أو تقدر، فهي بمثابة قبل وبعد، ولذلك أجاز بعض النحاة مررت بكل، على حد قبل وبعد، فالمقدر هنا على قول فرقة، ولكل أحد وعلى قول فرقة " ولكل شيء " يعني التركة، والمولى في كلام العرب: لفظة يشترك فيها القريب القرابة، والصديق، والحليف، والمعتَق، والمعتِق، والوراث، والعبد، فيما حكى ابن سيده، ويحسن هنا من هذا الاشتراك الورثة، لأنها تصلح على تأويل " ولكل أحد " ، وعلى تأويل، " ولكل شيء " وبذلك فسر قتادة والسدي وابن عباس وغيرهم: أن " الموالي " العصبة والورثة، قال ابن ابن زيد: لما أسلمت العجم سموا موالي استعارة وتشبيهاً، وذلك في قول الله تعالى:فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } [الأحزاب:5].

قال القاضي أبو محمد: وقد سمي قوم من العجم ببني العم، و { مما } متعلقة " بشيء " ، تقديره ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا ورثة، وهي متعلقة على تأويل " ولكل أحد " بفعل مضمر تقديره: ولكل أحد جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، ويحتمل على هذا أن تتعلق " من " بـ { موالي } ، وقوله: { والذين } رفع بالابتداء والخبر في قوله: { فآتوهم } وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وابن عامر " عاقدت " على المفاعلة أي إيمان هؤلاء عاقدت أولئك، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " عقَدت " بتخفيف القاف على حذف مفعول، تقديره: عقدت إيمانكم حلفهم أو ذمتهم، وقرأ حمزة في رواية على ابن كبشة عنه " عقّدت " مشددة القاف، واختلف المتأولون في من المراد بـ { الذين } ، فقال الحسن وابن عباس وابن جبير وقتادة وغيرهم: هم الأحلاف، فإن العرب كانت تتوارث بالحلف فشدد الله ذلك بهذه الآية، ثم نسخة بآية الأنفالوأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [الأنفال:75] وقال ابن عباس أيضاً: هم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم، فإنهم كانوا يتوارثون بهذه الآية حتى نسخ ذلك بما تقدم.

قال القاضي أبو محمد: وورد لابن عباس: أن المهاجرين كانوا يرثون الأنصار دون ذوي رحمهم، للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، فنزلت الآية في ذلك ناسخة، وبقي إيتاء النصيب من النصر والمعونة، أو من المال على جهة الندب في الوصية، وقال سعيد بن المسيب: هم الأبناء الذين كانوا يتبنون، والنصيب الذي أمر الناس بإيتائه هو الوصية لا الميراث، وقال ابن عباس أيضاً: هم الأحلاف إلا أن النصيب هو المؤازرة في الحق والنصر والوفاء بالحلف لا الميراث، وروي عن الحسن: أنها في قوم يوصى لهم فيموت الموصى له قبل نفوذ الوصية ووجوبها فأمر الموصي أن يؤديها إلى ورثة الموصى له.

السابقالتالي
2 3 4