الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }

{ اليتامى }: جمع يتيم ويتيمة، واليُتْمُ في كلام العرب فقد الأب قبل البلوغ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يُتمَ بعد بلوغ " وهو في البهيمة فقد الأم في حال الصغر، وحكى اليتم في الإنسان من جهة الأم، وقال ابن زيد: هذه المخاطبة هي لمن كانت عادته من العرب أن لا يرث الصغير من الأولاد مع الكبير، فقيل لهم: ورثوهم أموالهم، ولا تتركوا أيها الكبار حظوظكم حلالاً طيباً وتأخذوا الكل ظلماً حراماً خبيثاً، فيجىء فعلكم ذلك تبدلاً، وقالت طائفة: هذه المخاطبة هي لأوصياء الأيتام، والمعنى: إذا بلغوا وأونس منهم الرشد: وسماهم يتامى وهم قد بلغوا، استصحاباً للحالة الأولى التي قد ثبتت لهم من اليتم، { ولا تتبدلوا } قيل: المراد ما كان بعضهم يفعل من أن يبدل الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة من ماله، والدرهم الطيب بالزائف من ماله، قاله سعيد بن المسيب والزهري والسندي والضحاك، وقيل: المراد بذلك لا تأكلوا أموالهم خبيثاً، وتدعوا أموالكم طيباً، وقيل: معناه لا تتعجلوا أكل " الخبث " من أموالهم، وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله، قاله مجاهد وأبو صالح، و " الخبيث " و " الطيب ": إنما هو هنا بالتحليل والتحريم، وروي عن ابن محيصن أنه قرأ - " ولا تبدلوا " - بإدغام التاء في التاء وجاز في ذلك الجمع بين ساكنين، لأن أحدهما حرف مد ولين يشبه الحركة، وقوله: { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } استوى الأيتام في النهي عن أكل " أموالهم " , كانوا ورثة ممنوعين من الميراث ومحجورين، والآية نص في [النهي عن] قصد مال اليتيم بالأكل والتمول على جميع وجوهه، وروي عن مجاهد أنه قال: الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق، فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك، ثم نسخ منه النهي بقوله:وإن تخالطوهم فإخوانكم } [البقرة:220] وقد تقدم ذكر هذا في سورة البقرة، وقال ابن فورك عن الحسن: إنه تأول الناس من هذه الآية النهي عن الخلط فاجتنبوه من قبل أنفسهم، فخفف عنهم في آية البقرة، وقالت طائفة من المتأخرين { إلى } بمعنى مع، وهذا غير جيد، وروي عن مجاهد أن معنى الآية: ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم.

قال القاضي أبو محمد: وهذا تقريب للمعنى، لا أنه أراد أن الحرف بمعنى الآخر، وقال الحذاق: { إلى } هي على بابها وهي تتضمن الإضافة، التقدير: " لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم في الأكل " ، كما قال تعالىمن أنصاري إلى الله } [آل عمران:52، الصف:14] أي من ينضاف إلى الله في نصرتي والضمير في { إنه } عائد على الأكل الذي تضمنه الفعل الظاهر، والحوب الإثم، قاله ابن عباس والحسن وغيرهما، تقول: حاب الرجل يحوب حُوباً وحاباً وحَوْباً إذا أثم، قال أمية بن الأسكر: [الوافر]

السابقالتالي
2 3