الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

تقدم القول في تفسير { الكلالة } في صدر السورة، وإن المترجح أنها الوراثة التي خلت من أب وابن وابنة ولم يكن فيها عمود نسب لا عال ولا سافل، وبقي فيها من يتكلل، أي: يحيط من الجوانب كما يحيط الإكليل، وكان أَمر الكلالة عند عمر بن الخطاب مشكلاً فقال: ما راجعت رسول الله في شيء مراجعتي إياه في الكلالة، ولوددت أن رسول الله لم يمت حتى يبينها وقال على المنبر: ثلاث لو بينها رسول الله كان أحب إليَّ من الدنيا: الجد والكلالة، والخلافة، وأبواب من الربا، وروي عنه رضي الله عنه أنه كتب فيها كتاباً فمكث يستخير الله فيه ويقول: اللهم إن علمت فيه خيراً فأمضه، فلما طعن دعا بالكتابة فمحي، فلم يدر أحد ما كان فيه، وروى الأعمش عن إبراهيم وسائر شيوخه قال: ذكروا أن عمر رضي الله عنه قال: لأن أكون أعلم الكلالة أحب إليَّ من جزية قصور الشام. وقال طارق بن شهاب: أخذ عمر بن الخطاب كتفاً وجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: لأقضين في الكلالة قضاء تحدث به النساء في خدورها فخرجت عليهم حية من البيت فتفرقوا، فقال عمر: لو أراد الله أن يتم هذا الأمر لأتمه، وقال معدان بن أبي طلحة: خطب عمر بالناس يوم الجمعة فقال: إني والله ما أدع بعدي شيئاً هو أهم إليَّ من أمر الكلالة وقد سألت عنها رسول الله، فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها، حتى طعن في نحري وقال: تكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر سورة النساء فإن أعش فسأقضي فيها بقضية لا يختلف معها اثنان ممن يقرأ القرآن، وسئل عقبة بن عامر عن الكلالة فقال: ألا تعجبون لهذا يسألني عن الكلالة؟ وما أعضل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ما أعضلت بهم الكلالة.

قال القاضي أبو محمد: فظاهر كلام عمر رضي الله عنه أن آية الصيف هي هذه، وروى أبو سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الكلالة فقال: ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيفوإن كان رجل يورث كلالة } [النساء:12] إلى آخر الآية.

قال القاضي رحمه الله: هذا هو الظاهر، لأن البراء بن عازب قال: آخر آية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } وقال كثير من الصحابة: هي من آخر ما نزل، وقال جابر بن عبد الله: نزلت بسببي، عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض فقلت يا رسول الله: كيف أقضي في مالي وكان لي تسع أخوات، ولم يكن لي والد ولا ولد؟ فنزلت الآية.

السابقالتالي
2