الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }

هذا وعيد للمستنكفين الذين يدعون عبادة الله أنفة وتكبراً، وهذا الاستنكاف إنما يكون من الكفار عن اتباع الأنبياء وما جرى مجراه، كفعل حيي بن أخطب وأخيه أبي ياسر بمحمد عليه السلام، وكفعل أبي جهل وغيره، وإلا فإذا فرضت أحداً من البشر عرف الله تعالى، فمحال أن تجده يكفر به تكبراً عليه، والعناد المجوز إنما يسوق إليه الاستكبار عن البشر، ومع تقارب المنازل في ظن المتكبر.

وقوله تعالى: { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم } الآية إشارة إلى محمد رسول الله، و " البرهان ": الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين التام، والمعنى: قد جاءكم مقترناً بمحمد برهان من الله تعالى على صحة ما يدعوكم إليه وفساد ما أنتم عليه من النحل، وقوله تعالى: { وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً } يعني القرآن فيه بيان لكل شيء، وهو الواعظ الزاجر، الناهي الآمر.

ثم وعد تبارك وتعالى المؤمنين بالله، المعتصمين به، والضمير فيه { به } يحتمل أن يعود على الله تعالى، ويحتمل أن يعود على القرآن الذي تضمنه قوله تعالى: { نوراً مبيناً } و " الاعتصام " به التمسك بسببه وطلب النجاة والمنعة به، فهو يعصم كما تعصم المعاقل، وهذا قد فسره قول النبي صلى الله عليه وسلم: " القرآن حبل الله المتين من تمسك به عصم " و " الرحمة " و " الفضل ": الجنة وتنعيمها، { ويهديهم } ، معناه: إلى الفضل، وهذه هداية طريق الجنان، كما قال تعالى:سيهديهم ويصلح بالهم } [محمد:5] لأن هداية الإرشاد قد تقدمت وتحصلت حين آمنوا بالله واعتصموا بكتابه، و { صراطاً } نصب بإضمار فعل يدل عليه { يهديهم } ، تقديره فيعرفهم، ويحتمل أن ينتصب كالمفعول الثاني: إذ { يهديهم } في معنى يعرفهم، ويحتمل أن ينتصب على ظرفية " ما " ويحتمل أن يكون حالاً من الضمير في { إليه } وقيل: من فضل، والصراط: الطريق وقد تقدم تفسيره.