الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } * { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً }

روي عن عبد الله بن عباس: أن سبب هذه الآية أن سكيناً الحبر وعدي بن زيد قالا: يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر شيئاً بعد موسى، ولا أوحي إليه، فنزلت هذه الآية تكذيباً لقولهما، وقال محمد بن كعب القرظي: لما أنزل اللهيسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء } [النساء: 153] إلى آخر الآيات، فتليت عليهم وسمعوا الخبر بأعمالهم الخبيثة قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء ولا على موسى ولا على عيسى وجحدوا جميع ذلك فأنزل اللهوما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } [الأنعام:91] والوحي: إلقاء المعنى في خفاء، وعرفه في الأنبياء بواسطة جبريل عليه السلام، وذلك هو المراد بقوله { كما أوحينا } أي بملك ينزل من عند الله، و { نوح } أول الرسل في الأرض إلى أمة كافرة، وصرف نوح مع العجمة والتعريف لخفته، و { إبراهيم } عليه السلام هو الخليل، { وإسماعيل } ابنه الأكبر وهو الذبيح في قول المحققين وهو أبو العرب، { وإسحاق } ابنه الأصغر { ويعقوب } هو ولد إسحاق هو إسرائيل، { والأسباط }: بنو يعقوب، يوسف وإخوته، { وعيسى } هو المسيح، { وأيوب } هو المبتلى الصابر، { ويونس } هو ابن متى، وروى ابن جماز عن نافع: يونس بكسر النون، وقرأ ابن وثاب والنخعي - بفتحها، وهي كلها لغات، { وهارون } هو ابن عمران، { وسليمان } هو النبي الملك، و { داود }: أبوه، وقرأ جمهور الناس " زَبوراً " بفتح الزاي، وهو اسم كتاب داود تخصيصاً، وكل كتاب في اللغة فهو زبور من حيث تقول زبرت الكتاب إذا كتبته، وقرأ حمزة وحده " زُبوراً " بضم الزاي، قال أبو علي: يحتمل أن يكون جمع زبر، أوقع على المزبور اسم الزبر، كما قالوا ضرب الأمير، ونسج اليمن، وكأن سمي المكتوب كتاباً، ويحتمل أن يكون جمع زبور على حذف الزيادة، كما قالوا: ظريف وظروف وكروان وكروان وورشان وورشان، ونحو ذلك مما جمع بحذف الزيادة، ويقوي هذا الوجه أن التكسير مثل التصغير، وقد اطرد هذا المعنى في تصغير الترخيم نحو أزهر وزهير، وحارث وحريث، وثابت وثبيت، فالجمع مثله في القياس إن كان أقل منه في الاستعمال.

وقوله تعالى: { ورسلاً قد قصصناهم عليك } الآية، نصب { رسلاً } على المعنى، لأن المعنى إنا أرسلناك كما أرسلنا نوحاً، ويحتمل أن ينصب { رسلاً } بفعل مضمر تقديره أرسلنا رسلاً، لأن الرد على اليهود إنما هو في إنكارهم إرسال الرسل واطراد الوحي، وفي حرف أبي بن كعب " ورسل " في الموضعين بالرفع على تقديرهم رسل، و { قصصناهم } معناه ذكرنا اسماءهم وأخبارهم، وقوله تعالى: { ورسلاً لم نقصصهم عليك } يقتضي كثرة الأنبياء دون تحديد بعدد، وقد قال تعالى

السابقالتالي
2