الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } * { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

قوله { واللاتي }: اسم جمع التي، وتجمع أيضاً على " اللواتي " ، ويقال: اللائي بالباء، و { الفاحشة } في هذا الموضع: الزنا، وكل معصية فاحشة، لكن الألف واللام هنا للعهد، وقرأ ابن مسعود " بالفاحشة " ببناء الجر وقوله: { من نسائكم } إضافة في معنى الإسلام، لأن الكافرة قد تكون من نساء المسلمين بنسب، ولا يلحقها هذا الحكم، وجعل الله الشهادة على الزنا خاصة لا تتم إلا بأربعة شهداء، تغليظاً على المدعي وستراً على العباد، وقال قوم: ذلك ليترتب شاهدان على كل واحد من الزانيين.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وكانت هذه أول عقوبات الزناة - الإمساك في البيوت، قال عبادة بن الصامت والحسن ومجاهد: حتى نسخ بالأذى الذي بعده, ثم نسخ ذلك بآية النور وبالرجم في الثيب, وقالت فرقة: بل كان الأذى هو الأول، ثم نسخ بالإمساك ولكن التلاوة أخرت وقدمت، ذكره ابن فورك، و { سبيلاً } معناه مخرجاً بأمر من أوامر الشرع، وروى حطان بن عبد الله الرقاشي " عن عمران بن حصين، أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل عليه الوحي، ثم أقلع عنه ووجهه محمر، فقال: قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ".

{ واللذان } - تثنية الذي، وكان القياس أن يقال: اللذيان كرحيان المتمكنة وبين الأسماء المبهمات. قال أبو علي: حذفت الياء تخفيفاً إذ قد أمن من اللبس في اللذان، لأن النون لا تنحذف ونون التثنية في الأسماء المتمكنة قد تنحذف مع الإضافة في رحياك ومصطفيا القوم، فلو حذفت الياء لاشتبه المفرد بالاثنين، وقرأ ابن كثير " اللذانّ " بشد النون، وتلك عوض من الياء المحذوفة، وكذلك قرأ هذان، وفذانك, وهاتين، بالتشديد في جميعها، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بتخفيف جميع ذلك، وشداد أبو عمرو، " فذانك " وحدها ولم يشدد غيرها، { واللذان } رفع بالابتداء، وقيل على معنى: فيما يتلى عليكم " اللذان " , واختلف في الأذى، فقال عبادة والسدي: هو التعيير والتوبيخ وقالت فرقة: هو السبُّ والجفاء دون تعيير، وقال ابن عباس: هو النيل باللسان واليد وضرب النعال وما أشبهه، قال مجاهد وغيره: الآية الأولى في النساء عامة لهن، محصنات وغير محصنات، والآية الثانية في الرجال، وبين بلفظ التثنية صنفي الرجال ممن أحصن وممن لم يحصن، فعقوبة النساء الحبس، وعقوبة الرجال الأذى، وهذا قول يقتضيه اللفظ، ويستوفي نص الكلام أصناف الزناة عليه، ويؤيده من جهة اللفظ قوله في الأولى { من نسائكم } وقوله في الثانية { منكم } ، وقال السدي وقتادة وغيرهما: الآية الأولى في النساء المحصنات، يريد ويدخل معهن من أحصن من الرجال بالمعنى، والآية الثانية هي في الرجل والمرأة البكرين.

السابقالتالي
2 3