الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

أي: من كان لا مراد له إلا في ثواب الدنيا ولا يعتقد أن ثم سواه، فليس هو كما ظن، بل عند الله تعالى ثواب الدارين، فمن قصد الآخرة أعطاه الله من ثواب الدنيا وأعطاه قصده، ومن قصد الدنيا فقط أعطاه من الدنيا ما قدر له وكان له في الآخرة العذاب، والله تعالى " سميع " للأقوال، " بصير " بالأعمال والنيات.

ثم خاطب تعالى المؤمنين بقوله { كونوا قوامين } الآية، وهذا بناء مبالغة، أي ليتكرر منكم القيام. { بالقسط } وهو العدل، وقوله { شهداء } نصب على خبر بعد خبر, والحال فيه ضعيفة في المعنى، لأنها تخصيص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقط، قوله { لله } المعنى لذات الله ولوجهه ولمرضاته، وقوله { ولو على أنفسكم } متعلق بـ { شهداء } هذا هو الظاهر الذي فسر عليه الناس، وأن هذه الشهادة المذكورة هي في الحقوق، ويحتمل أن يكون قوله { شهداء لله } معناه بالوحدانية، ويتعلق قوله { ولو على أنفسكم } بـ { قوامين بالقسط } ، والتأويل الأول أبين، وشهادة المرء على نفسه إقراره بالحقائق وقوله الحق في كل أمر، وقيامه بالقسط عليها كذلك، ثم ذكر { الوالدين } لوجوب برهما وعظم قدرهما، ثم ثنى بـ { الأقربين } إذ هم مظنة المودة والتعصب، فجاء الأجنبي من الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه، وهذه الآية إنما تضمنت الشهادة على القرابة، فلا معنى للتفقه منها في الشهادة لهم كما فعل بعض المفسرين ولا خلاف بين أهل العلم في صحة أحكام هذه الآية، وقوله تعالى: { إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما } معناه: إن يكن المشهود عليه غنياً فلا يراعى لغناه، ولا يخاف منه، وإن يكن فقيراً فلا يراعى إشفاقاً عليه فإن الله تعالى أولى بالنوعين وأهل الحالين، والغني والفقير اسما جنس والمشهود عليه كذلك، فلذلك ثنى الضمير في قوله { بهما } ، وفي قراءة أبيّ بن كعب " فالله أولى بهم " على الجمع، وقال الطبري: ثنى الضمير لأن المعنى فالله أولى بهذين المعنيين، غنى الغني وفقر الفقير، أي: وهو أنظر فيهما، وقد حد حدوداً وجعل لكل ذي حق حقه، وقال قوم { أو } بمعنى الواو، وفي هذا ضعف.

وذكر السدي: أن هذه الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم، اختصم إليه غني وفقير، فكان في ضلع الفقير علماً منه أن الغني أحرى أن يظلم الفقير، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط بين الغني والفقير.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وارتبط هذا الأمر على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فأقضي له على نحو ما أسمع " أما أنه قد أبيح للحاكم أن يكون في ضلع الضعيف، بأن يقيد له المقالات ويشد على عضده، ويقول له: قل حجتك مدلاً، وينبهه تنبيهاً لا يفت في عضد الآخر، ولا يكون تعليم خصام، هكذا هي الرواية عن أشهب وغيره.

السابقالتالي
2