الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً } * { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }

الضمير في { يدعون } عائد على من تقدم ذكره من الكفرة في قوله:ومن يشاقق الرسول } [النساء:115] { إن } نافية بمعنى " ما " ويدعون عبارة مغنية موجزة في معنيي: يعبدون ويتخذون آلهة، وقرأ أبو رجاء العطاردي " إن تدعون " بالتاء من فوق، ورويت عن عاصم، واختلف في معنى " الإناث " فقال أبو مالك والسدي وغيرهما: ذلك لأن العرب كانت تسمي أصنامها بأسماء مؤنثة، فاللات والعزى ومناة ونائلة.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق: ويرد على هذا أنها كانت تسمي بأسماء مذكرة كثيرة، وقال الضحاك وغيره: المراد ما كانت العرب تعتقده من تأنيث الملائكة وعبادتهم إياها، فقيل لهم هذا على جهة إقامة الحجة من فاسد قولهم، وقال ابن عباس والحسن وقتادة: المراد: الخشب والحجارة وهي مؤنثات لا تعقل، فيخبر عنها كما يخبر عن المؤنث من الأشياء فيجيء قوله: { إلا إناثاً } عبارة عن الجمادات، وقيل: إنما هذا لأن العرب كانت تسمي الصنم أنثى فتقول: أنثى بني فلان.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا على اختلافه يقضي بتعييرهم بالتأنيث وأن التأنيث نقص وخساسة بالإضافة إلى التذكير، وقيل معنى { إناثاً } أوثاناً، وفي مصحف عائشة " إن يدعون من دونه إلا أوثاناً " وقرأ ابن عباس فيما روى عنه أبو صالح " إلا أنثاً " يريد وثناً، فأبدل الهمزة واواً، وهو جمع جمع على ما حكى بعض الناس، كأنه جمع وثناً على وثان، كجمل وجمال، ثم جمع وثاناً على وثن كرهان ورهن وكمثال ومثل.

قال القاضي أبو محمد: وهذا خطأ، لأن فعالاً في جمع فعل إنما هو للتكثير والجمع الذي هو للتكثير لا يجمع وإنما تجمع جموع التقليل، والصواب أن تقول وثن جمع وثن دون واسطة، كأسد وأسد، قال أبو عمرو: وبهذا قرأ ابن عمر وسعيد بن المسيب ومسلم بن جندب وعطاء، وروي عن ابن عباس أنه قرأ " إلا وَثنَاً " بفتح الواو والثاء على إفراد اسم الجنس, وقرأ ابن عباس أيضاً " وُثُناً " بضم الواو والثاء, وقرأت فرقة " إلا وثنَاً, وقرأت فرقة " إلا أثناً " بسكون الثاء، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم " إلا أنثاً " بتقديم النون وهو جمع أنيث كغدير وغدر ونحو ذلك، وحكى الطبري: أنه جمع إناث كثمار وثمر، وحكى هذه القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو عمرو الداني، قال: وقرأ بها ابن عباس وأبو حيوة والحسن. واختلف في المعنى بـ " الشيطان " فقالت فرقة: هو الشيطان المقترن بكل صنم، فكأنه موحد باللفظ جمع بالمعنى، لأن الواحد يدل على الجنس، وقال الجمهور: المراد إبليس وهذا هو الصواب، لأن سائر المقالة به تليق، و { مريداً } معناه عاتياً صليباً في غوايته، وهو فعيل من مرد: إذا عتا وغلا في انحرافه وتجرد للشر والغواية.

وأصل اللعن: الإبعاد، وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط وغضب، ويحتمل أن يكون { لعنه } صفة الشيطان، ويحتمل أن يكون خبراً عنه، والمعنى يتقارب على الوجهين، وقوله تعالى: { وقال لأتخذن } الآية، التقدير: وقال الشيطان، والمعنى، لأستخلصنهم لغوايتي: ولأخصنهم بإضلالي وهم الكفرة والعصاة، والمفروض معناه في هذا الموضع المنحاز، وهو مأخوذ من الفرض وهو الحز في العود وغيره، ويحتمل أن يريد واجباً أن أتخذه، وبعث النار هو نصيب إبليس.