الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

{ ضربتم } معناه: سافرتم. فأهل الظاهر يرون القصر في كل سفر يخرج عن الحاضرة، وهي من حيث تؤتى الجمعة، وهذا قول ضعيف، واختلف العلماء في حد المسافة التي تقصر فيها الصلاة، فقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وابن راهويه: تقتصر الصلاة في أربعة برد، وذلك ثمانية وأربعون ميلاً. وحجتهم أحاديث رويت في ذلك عن ابن عمر وابن عباس، وقال الحسن والزهري: تقصر الصلاة في مسيرة يومين ولم يذكرا أميالاً، وروي هذا القول عن مالك، وروي عنه أيضاً: تقصر الصلاة في يوم وليلة وهذه الأقوال الثلاثة تتقارب في المعنى، وروي عن ابن عباس وابن عمر: أن الصلاة تقصر في مسيرة اليوم التام، وقصر ابن عمر في ثلاثين ميلاً، وعن مالك في العتبية فيمن خرج إلى ضيعته على مسيرة خمسة وأربعين ميلاً، قال: يقصر، وعن ابن القاسم في العتبية: أن قصر في ستة وثلاثين فلا إعادة عليه، وقال يحيى بن عمر: يعيد أبداً، وقال ابن عبد الحكم: في الوقت، وقال ابن مسعود وسفيان والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن: من سافر مسيرة ثلاث قصر. قال أبو حنيفة: ثلاثة أيام ولياليها سير الإبل ومشي الأقدام, وروي عن أنس بن مالك: أنه قصر في خمسة عشر ميلاً، قال الأوزاعي: عامة العلماء في القصر في مسيرة اليوم التام، وبه نأخذ.

واختلف الناس في نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة، فأجمع الناس على الجهاد والحج والعمرة وما ضارعها من صلة رحم وإحياء نفس، واختلف الناس فيما سوى ذلك، فالجمهور على جواز القصر في السفر المباح، كالتجارة ونحوها، وروي عن ابن مسعود أنه قال: لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد وقال عطاء لا تقصر الصلاة إلا في سفر طاعة وسبيل من سبل الخير، وقد روي عن عطاء أنها تقصر في كل المباح، والجمهور من العلماء على أنه لا قصر في سفر المعصية، كالباغي وقاطع الطريق وما في معناهما، وروي عن الأوزاعي وأبي حنيفة إباحة القصر في جميع ذلك. وجمهور العلماء على أن المسافر لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية، وحينئذ هو ضارب في الأرض، وهو قول مالك في المدونة وابن حبيب وجماعة المذهب، قال ابن القاسم في المدونة: ولم يحد لنا مالك في القرب حداً، وروي عن مالك إذا كانت قرية يجمع أهلها فلا يقصر حتى يجاوزها بثلاثة أميال؛ وإلى ذلك في الرجوع، وإن كانت لا يجمع أهلها قصر إذا جاوز بساتينها، وروي عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفراً فصلى بهم ركعتين في منزله، وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى, وروي عن مجاهد أنه قال: لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل، وهو شاذ، وقد ثبت أن النبي عليه السلام صلى الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، وليس بينهما ثلث يوم، ويظهر من قوله تعالى { فليس عليكم جناح أن تقصروا } أن القصر مباح أو مخير فيه، وقد روى ابن وهب عن مالك: أن المسافر مخير، وقاله الأبهري، وعليه حذاق المذهب، وقال مالك في المبسوط: القصر سنة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6