الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ }

المكتوبة: نصب بقوله: { فاعبد }. وقوله تعالى: { وما قدروا الله حق قدره } معناه: وما عظموا الله حق عظمته ولا وصفوه بصفاته، ولا نفوا عنه ما لا يليق به.

واختلف الناس في المعنى بالضمير في قوله: { قدروا } قال ابن عباس: نزل ذلك في كفار قريش الذين كانت هذه الآيات كلها محاورة لهم ورداً عليهم. وقالت فرقة: نزلت الآية في قوم من اليهود تكلموا في صفات الله تعالى وجلاله، فألحدوا وجسموا وأتوا كل تخليط، فنزلت الآية فيهم، وفي الحديث الصحيح: أنه جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إليه، فقال له النبي عليه السلام حدثنا، فقال: إن الله عز وجل إذا كان يوم القيامة جعل السماوات على أصبع والأرضين على أصبع والجبال على أصبع، والماء والشجر على أصبع، وجميع الخلائق على أصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً له، ثم قرأ هذه الآية.

قال القاضي أبو محمد: فرسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل بالآية، وقد كانت نزلت. وقوله في الحديث: تصديقاً له، أي في أنه لم يقل إلا ما رأى في كتب اليهود، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر المعنى، لأن التجسيم فيه ظاهر واليهود معروفون باعتقاده، ولا يحسنون حمله على تأويله من أن الأصبع عبارة عن القدرة، أو من أنها أصبع خلق يخلق لذلك، ويعضدها تنكير الأصبع.

وروى سعيد بن المسيب أن سبب نزول الآية أن طائفة من اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد، هذا الله خلق الأشياء، فمن خلق الله؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساورهم، ونزلت الآية في ذلك.

وقرأ جمهور الناس: " قدْره " بسكون الدال، وقرأ الأعمش: بفتح الدال. وقرأ أبو حيوة والحسن وعيسى بن عمرو وأبو نوفل: " وما قدّروا " بشد الدال " حق قدَره " بفتح الدال.

وقوله تعالى: { والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة } معناه: في قبضته. وقال ابن عمر ما معناه: أن الأرض في قبضة اليد الواحدة، { والسماوات مطويات } باليمين الأخرى، لأنه كلتا يديه يمين، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: الأرض جميعاً قبضته، والسماوات وكل ذلك بيمينه.

وقرأ عيسى بن عمر: " مطوياتٍ " بكسر التاء المنونة، والناس على رفعها.

وعلى كل وجه، فـ " اليمين " هنا و " القبضة " وكل ما ورد: عبارة عن القدرة والقوة، وما اختلج في الصدور من غير ذلك باطل، وما ذهب إليه القاضي من أنها صفات زائدة على صفات الذات قول ضعيف، وبحسب ما يختلج في النفوس التي لم يحضنها العلم.

السابقالتالي
2