الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } * { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

ذكر الله تعالى المتقين ونجاتهم ليعادل بذلك ما تقدم من ذكر الكفرة، وفي ذلك ترغيب في حالة المتقين، لأن الأشياء تتبين بأضدادها.

وقرأ جمهور القراء: " بمفازتهم " وذلك على اسم الجنس، وهو مصدر من الفوز. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: " بمفازاتهم " على الجمع من حيث النجاة أنواع، الأسباب مختلفة وهي قراءة الحسن والأعرج وأبي عبد الرحمن والأعمش، وفي الكلام حذف مضاف تقديره: وينجي الله الذين اتقوا بأسباب أو بدواعي مفازاتهم. قال السدي: { بمفازتهم } بفضائلهم. وقال ابن زيد بأعمالهم.

وقوله تعالى: { الله خالق كل شيء } كلام مستأنف دال على الوحدانية، وهو عموم معناه الخصوص. والوكيل: القائم على الأمر، الزعيم بإكماله وتتميمه. والمقاليد: المفاتيح، قاله ابن عباس، واحدها مقلاد، مثل مفتاح، وفي كتاب الزهراوي: واحد المقاليد: إقليد، وهذه استعارة كما تقول بيدك يا فلان مفتاح هذا الأمر، إذا كان قديراً على السعي فيه. وقال السدي: المقاليد الخزائن، وهذه عبارة غير جيدة، ويشبه أن يقول قائل: المقاليد إشارة إلى الخزائن أو دالة عليها فيسوغ هذا القول، كما أن الخزائن أيضاً في جهة الله إنما تجيء استعارة، بمعنى اتساع قدرته، وأنه يبتدع ويخترع، ويشبه أن يقال فيما قد أوجد من المخلوقات كالريح والماء وغير ذلك إنها في خزائنه، وهذا كله بتجوز على جهة التقريب والتفهيم للسامعين، وقد ورد القرآن بذكر الخزائن، ووقعت في الحديث الصحيح في قوله عليه السلام: " وما فتح الليلة من الخزائن " والحقيقة في هذا غير بعيدة، لكنه ليس باختزان حاجة ولا قلة قدرة كما هو اختزان البشر. " وقال عثمان رضي الله عنه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { مقاليد السماوات والأرض } فقال: " لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير " ".

وقوله: { أفغير } منصوب بـ { أعبد } ، كأنه قال: أفغير الله أعبد فيما تأمروني؟ ويجوز أن يكون نصبه بـ { تأمروني } على إسقاط أن، تقديره أفغير الله تأمروني أن أعبد.

وقرأت فرقة: " تأمرونني " بنونين، وهذا هوا الأصل. وقرأ ابن كثير: " تأمرونِّيَ " بنون مشددة مكسورة وياء مفتوحة. وقرأ ابن عامر: " تأمروني " بياء ساكنة ونون مكسورة خفيفة، وهذا على حذف النون الواحدة وهي الموطئة لياء المتكلم، ولا يجوز حذف النون الأولى وهو لحن لأنها علامة رفع الفعل، وفتح نافع الياء على الحذف فقرأ: " تأمروني " وقرأ الباقون بشد النون وبسكون الياء.

وقوله تعالى: { ولقد أوحي إليك } الآية، قالت فرقة: في الآية تقديم وتأخير كأنه قال: " لقد أوحي إليك لئن اشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك " ، وقالت فرقة: الآية على وجهها، المعنى: " ولقد أوحي إلى كل نبي لئن أشركت ليحبطن عملك ". وحبط: معناه: بطل وسقط، وبهذه الآية بطلت أعمال المرتد من صلاته وحجه وغير ذلك.