{ أن } في هذه الآية مفعول من أجله أي أنيبوا وأسلموا من أجل أن تقول. وقرأ جمهور الناس: " يا حسرتى " والأصل " يا حسرتي " ، ومن العرب من يرد ياء الإضافة ألفاً فيقول: يا غلاماً ويا جاراً. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: " يا حسرتايَ " بفتح الياء، ورويت عنه بسكون الياء، قال أبو الفتح: جمع بين العوض والمعوض منه. وروى ابن جماز عن أبي جعفر: " يا حسرتي " بكسر التاء وسكون الياء. قال سيبويه: ومعنى نداء الحسرة والويل، أي هذا وقتك وزمانك فاحضري. و: { فرطت } معناه: قصرت في اللازم. وقوله تعالى: { في جنب الله } معناه: في مقاصدي إلى الله وفي جهة طاعته، أي في تضييع شريعته والإيمان به. والجنب: يعبر به عن هذا ونحوه. ومنه قول الشاعر: [الطويل]
أفي جنب بكر قطعتني ملامة
لعمري لقد طالت ملامتها بيا
ومنه قول الآخر:
الناس جنب والأمير جنب
وقال مجاهد: { في جنب الله } أي في أمر الله. وقول الكافر: { وإن كنت لمن الساخرين } ندامة على استهزائه بأمر الله تعالى. والسخر: الاستهزاء. وقوله: { أو تقول } في الموضعين عطف على قوله: { أن تقول } الأول. و: { كرة } مصدر من كر يكر. وقوله: { فأكون } نصب بأن مضمرة مقدرة، وهو عطف على قول: { كرة } والمراد: لو أن لي كرة فكونا، فلذلك احتيج إلى: ليكون مع الفعل بتأويل المصدر، ونحوه قول الشاعر أنشده الفراء: [الطويل]
فما لك منها غير ذكرى وحسبة
وتسأل عن ركبانها أين يمموا
وقد قرر بعض الناس الكلام: أنه لي أن أكر فأكون، ذكره الطبري، وهذا الكون في هذه الآية داخل في التمني. وقوله: { بلى } جواب لنفي مقدر في قوله: هذه النفس كأنها قالت: فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر، أو قالت: فإني لم يتبين لي الأمر في الدنيا ونحو هذا، وحق { بلى } أن تجيء بعد نفي عليه تقرير، وقرأ جمهور الناس " جاءتكَ " بفتح الكاف، وبفتح التاء من قوله: " فكذبتَ " و " استكبرتَ وكنتَ " على مخاطبة الكافر ذي النفس. وقرأ ابن يعمر والجحدري بكسر الكاف والتاء في الثلاثة على خطاب النفس المذكورة. قال أبو حاتم: روتها أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ الأعمش: " بلى قد جاءته " بالهاء. ثم خاطب تعالى نبيه بخبر يراه يوم القيامة من حالة الكفار، في ضمن هذا الخبر وعيد بين لمعاصريه. وقوله: { ترى } هو من رؤية العين، وكذبهم على الله: هو في أن جعلوا لله البنات والصاحبة، وشرعوا ما لم يأذن به إلى غير ذلك. وقوله: { وجوههم مسودة } جملة في موضع الحال، وظاهر الآية: أن لون وجوههم يتغير ويسود حقيقة، ويحتمل أن يكون في العبارة تجوز، وعبر بالسواد عن أن يراد به وجوههم وغالب همهم وظاهر كآبتهم. والمثوى: موضع الثواء والإقامة. والمتكبر: رافع نفسه إلى فوق حقه، وقال النبي عليه السلام: " الكبر سفه وغمط الناس أي احتقارهم "