الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } * { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } * { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } * { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }

قرأ الحسن وأبي بن كعب وابن أبي إسحاق: " صادِ " بكسر الدال على أنه أمر من صادى يصادي إذا ضاهى وماثل، أي صار كالصدى الذي يحكي الصياح، والمعنى: ماثل القرآن بعلمك وقارنه بطاعتك، وهكذا فسر الحسن، أي انظر أين عملك منه، وقال جمهور الناس: إنه حرف المعجم المعروف، ويدخله ما يدخل سائر أوائل السور من الأقوال، ويختص هذا الموضع بأن قال بعض الناس: معناه صدق محمد، وقال الضحاك معناه: صدق الله، وقال محمد بن كعب القرظي: هو مفتاح أسماء الله: صمد صادق الوعد، صانع المصنوعات، وقرأها الجمهور: " صادْ " بسكون الدال، وقرأ ابن أبي إسحاق بخلاف عنه " صادٍ " بكسر الدال وتنوينها على القسم، كما تقول: الله لأفعلن. وحكى الطبري وغيره عن ابن أبي إسحاق: " صادِ " بدون تنوين، وألحقه بقول العرب: خاث باث، وخار وباز. وقرأت فرقة منها عيسى بن عمر: " صادَ " بفتح الدال، وكذلك يفعل في نطقه بكل الحروف، يقول: قافَ، ونونَ، ويجعلها كأين وليت: قال الثعلبي، وقيل معناه: صاد محمد القلوب، بأن استمالها للإيمان.

وقوله: { والقرآن ذي الذكر } قسم. وقال السدي وابن عباس وسعيد بن جبير، معناه ذي الشرف الباقي المخلد. وقال قتادة والضحاك: ذي التذكرة للناس والهداية لهم. وقالت فرقة معناه: ذي الذكر لأمم والقصص والغيوب. وأما جواب القسم فاختلف فيه، فقالت فرقة: الجواب في قوله: { ص } إذ هو بمعنى صدق محمد، أو صدق الله. وقال الكوفيون والزجاج، الجواب قوله:إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } [ص: 64]. وقال بعض البصريين ومنهم الأخفش، الجواب في قوله:إن كل إلا كذب الرسل } [ص: 14].

قال القاضي أبو محمد:وهذان القولان بعيدان.

وقال قتادة والطبري: الجواب مقدر قبل بل، وهذا هو الصحيح، تقديره: والقرآن ما الأمر كما يزعمون، ونحو هذا من التقدير فتدبره. وحكى الزجاج عن قوم أن الجواب قوله: { كم أهلكنا } وهذا متكلف جداً. والعزة هنا: المعازة والمغالبة. والشقاق: نحوه أي هم في شق، والحق في شق. و: { كم } للتكثير، وهي خبر فيه مثال ووعيد، وهي في موضع نصب بـ { أهلكنا }. والقرن الأمة من الناس يجمعها زمن احد، وقد تقدم تحريره مراراً.

وقوله: { فنادوا } معناه: مستغيثين، والمعنى أنهم فعلوا ذلك بعد المعاينة فلم ينفع ذلك، ولم يكن في وقت نفع. { ولات } بمعنى: ليس، واسمها مقدر عند سيبويه، تقديره ولات الحين حين مناص، وهي: لا (لحقتها: تاء، كما تقول) ربت وثمت. قال الزجاج: وهي كتاء جلست وقامت، تاء الحروف كتاء الأفعال دخلت على ما لا يعرب في الوجهين، ولا تستعمل " لا " مع التاء إلا في الحين والزمان والوقت ونحوه، فمن ذلك قول الشاعر [محمد بن عيسى بن طلحة]: [الكامل]


السابقالتالي
2