وقوله تعالى: { ألا تأكلون } هو على جهة الاستهزاء بعبدة تلك الأصنام، وروي أن عادة أولئك كانت أنهم يتركون في بيوت الأصنام طعاماً، ويعتقدون أنها تصيب منه شميماً ونحو هذا من المعتقدات الباطلة، ثم كان خدم البيت يأكلونه، فلما دخل إبراهيم وقف على الأكل، والنطق والمخاطبة للأصنام والقصد الاستهزاء بعابدها، ثم مال عند ذلك إلى ضرب تلك الأصنام بفأس حتى جعلها جذاذاً واختلف في معنى قوله { باليمين } فقال ابن عباس: أراد يمنى يديه، وقيل: أراد بقوته لأنه كان يجمع يديه معاً بالفأس، وقيل أراد يمين القسم في قوله{ وتالله لأكيدن أصنامكم } [الأنبياء: 57] و { ضرباً } نصب على المصدر بفعل مضمر من لفظه، وفي مصحف عبدالله عليهم " صفعاً باليمين " ، والضمير في { أقبلوا } لكفار قومه، وقرأ جمهور الناس " يَزفون " بفتح الياء من زف إذا أسرع وزفت الإبل إذا أسرعت، ومنه قول الفرزدق: [الطويل]
فجاء قريع الشول قبل افالها
يزف وجاءت خلفه وهي زفف
ومنه قول الهذلي:
وزفت الشول من برد العشيّ كما
زفت النعام إلى حفانه الروح
وقرأ حمزة وحده " يُزفزن " بضم الياء من أزف إذا دخل في الزفيف وليست بهمزة تعدية هذا قول، وقال أبو علي: معناه يحملون غيرهم على الزفيف، وحكاه عن الأصمعي وهي قراءة مجاهد وابن وثاب والأعمش، وقرأ مجاهد وعبد الله بن زيد " يَزفزن " بفتح الياء وتخفيف الفاء من وزف وهي لغة منكرة، قال الكسائي والفراء: لا نعرفها بمعنى زف، وقال مجاهد: الزفيف النسلان، وذهبت فرقة إلى أن { يزفون } معناه يتمهلون في مشيهم كزفاف العروس، والمعنى أنهم كانوا على طمأنينة من أن ينال أحد آلهتهم بسوء لعزتهم فكانوا لذلك متمهلين. قال القاضي أبو محمد: وزف بمعنى أسرع هو المعروف، ثم إن إبراهيم عليه السلام قال لهم في جملة محاورة طويلة قد تضمنتها الآية { أتعبدون ما تنحتون } أي تجعلون إلهاً معظماً شيئاً صنعتموه من عود أو حجر وعملتموه بأيديكم أخبرهم بخبر لا يمكنهم إنكاره وهو قوله { والله خلقكم } واختلف المتأولون في قوله { وما تعملون } ، فمذهب جماعة من المفسرين أن { ما } مصدرية والمعنى أن الله خلقكم وأعمالكم، وهذه الآية عندهم قاعدة في خلق أفعال العباد وذلك موافق لمذهب أهل السنة في ذلك، وقالت { ما } بمعنى الذي، وقالت فرقة { ما } استفهام، وقالت فرقة هي نفي بمعنى وأنتم لا تعملون شيئا في وقت خلقكم ولا قبله، ولا تقدرون على شيء. قال القاضي أبو محمد: والمعتزلة مضطرة إلى الزوال عن أن تجعل { ما } مصدرية، و " البنيان " قيل كان في موضع إيقاد النار، وقيل بل كان للمنجنيق الذي رمي عنه وقد تقدم قصص نار إبراهيم وجعلهم الله { الأسفلين } ، بأن غلبوا وذلوا ونالتهم العقوبات.