الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } * { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ }

مثل تعالى لقريش في هذه الآية بالأمم التي ضلت قديماً وجاءها الإنذار وأهلكها الله بعذابه، وقوله تعالى: { فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } ، يقتضي الإخبار بأنه عذبهم، ولذلك حسن الاستثناء في قوله { إلا عباد الله } ، ونداء نوح عليه السلام قد تضمن أشياء منها الدعاء على قومه، ومنها سؤال النجاة ومنها طلب النصرة، وفي جميع ذلك وقعت الإجابة، وقوله تعالى: { فلنعم المجيبون } يقتضي الخبر بأن الإجابة كانت على أكمل ما أراد نوح عليه السلام، و { الكرب العظيم } قال السدي: هو الغرق.

قال القاضي أبو محمد: ومن { الكرب } تكذيب الكفرة وركوب الماء وهوله قال الرماني: { الكرب }: الحر الثقيل على القلب، وقوله تعالى: { وجعلنا ذريته هم الباقين } قال ابن عباس وقتادة: أهل الأرض كلهم من ذرية نوح، قال الطبري: والعرب من أولاد سام، والسودان من أولاد حام، والترك والصقلب وغيرهم من أولاد يافث، وروي عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ { وجعلنا ذريته هم الباقين } فقال: " سام وحام ويافث " ، وقالت فرقة: إن الله تعالى أبقى ذرية نوح ومد نسله وبارك في ضئضئه وليس الأمر بأن أهل الأرض انحصروا إلى نسله بل في الأمم من لا يرجع إليه، والأول أشهر عند علماء الأمة وقالوا { نوح } هو آدم الأصغر، وقوله { وتركنا عليه في الآخرين } معناه ثناء حسناً جميلاً آخر الدهر، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، وقوله { سلام } عل هذا التأويل رفع بالابتداء مستأنف سلم الله به عليه ليقتدي بذلك البشر، قال الطبري: هذه أمانة منه لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء.

قال القاضي أبو محمد: هذا جزاء ما صبر طويلاً على أقوال الكفرة الفجرة، وقال الفراء وغيره من الكوفيين: قوله { سلام على نوح في العالمين } جملة في موضع نصب بـ { تركنا } وهذا هو المتروك عليه، فكأنه قال وتركنا على نوح تسليماً يسلم به عليه إلى يوم القيامة، وفي قراءة عبد الله " سلاماً على نوح " على النصب بـ { تركنا } صلى الله على نوح وعلى أهله وسلم تسليماً وشرف وكرم على جميع أنبيائه و { في الآخرين } معناه في الباقين غابر الدهر، والقراءة بكسر الخاء وما كان من إهلاك فهو بفتحها.