الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } * { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } * { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } * { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ }

الألف من قوله { أذلك } للتقرير، والمراد تقرير قريش والكفار، وجاء بلفظة التفضيل بين شيئين لا اشتراك بينهما من حيث كان الكلام تقريراً، والاحتجاج يقتضي أن يوقف المتكلم خصمه على قسمين: أحدهما فاسد ويحمله بالتقرير على اختبار أحدهما ولو كان الكلام خبراً لم يجز ولا أفاد أن يقال الجنة خير من { شجرة الزقوم } وأما قوله تعالىخير مستقراً } [الفرقان: 24] فهذا على اعتقادهم في أن لهم مستقراً جيداً وقد تقدم إيعاب هذا المعنى.

قال القاضي أبو محمد: وفي بعض البلاد الجدبة المجاورة للصحارى شجرة مرة مسمومة لها لبن إن مس جسم أحد تورهم، ومات منه في أغلب الأمر تسمى شجرة الزقوم، والتزقم في كلام العرب البلع على شدة وجهد، وقوله تعالى: { إنا جعلناها فتنة للظالمين } قال قتادة والسدي ومجاهد: يريد أبا جهل ونظراءه وذلك أنه لما نزلت { أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم } ، قال الكفار، وكيف يخبر محمد عن النار أنها تنبت الأشجار وهي تأكلها وتذهبها ففتنوا بذلك أنفسهم وجهلة من أتباعهم، وقال أبو جهل: إنما الزقوم التمر بالزبد ونحن نتزقمه، وقوله { في أصل الجحيم } معناه ملاصق نهاياتها التي لها كالجدرات، وفي قراءة ابن مسعود " إنها شجرة ثابتة في أصل الجحيم " ، وقوله تعالى: { كأنه رؤوس الشياطين } اختلف الناس في معناه، فقالت فرقة: شبه بثمر شجرة معروفة يقال لها { رؤوس الشياطين } وهي بناحية اليمن يقال لها الأستق، وهو الذي ذكر النابغة في قوله: " تحيد من أستق سوداً أسافله ". ويقال إنه الشجر الذي يقال له الصوم وهو الذي يعني ساعدة بن جوبة في قوله:

موكل بشدوق الصوم يرقبها   من المغارب مخطوف الحشا زرم
وقالت فرقة: شبه بـ { رؤوس } صنف من الحيات يقال لها الشياطين وهي ذوات أعراف ومنه قول الشاعر: [الرجز]

عجيز تحلف حين أحلف   كمثل شيطان الحماط اعرف
وقالت فرقة: شبه بما استقر في النفوس من كراهة { رؤوس الشياطين } وقبحها، وإن كانت لم تر، وهذا كما تقول لكل شعث المنتفش الشعر الكريه المنظر هذا شيطان ونحو هذا قول امرىء القيس: [الطويل]

أيقتلني والمشرفي مضاجعي   ومسنونة زرق كأنياب أغوال
فإنما شبه بما استقر في النفوس من هيبتها، و " الشوب " المزاج والخلط، قاله ابن عباس وقتادة، وقرأ شيبان النحوي " لشُوباً " بضم الشين، قال الزجاج: فتح الشين المصدر، وضمه الاسم، و " الحميم " السخن جداً من الماء ونحوه، فيريد به ها هنا شرابهم الذي هو طينة الخبال صديدهم وما ينماع منهم، هذا قول جماعة من المفسرين، وقوله تعالى: { ثم إن مرجعهم } يحتمل أن يكون لهم انتقال أجساد في وقت الأكل والشرب، ثم يرجعون إلى معظم الجحيم وكثرته، ذكره الرماني وشبه بقوله تعالى:

السابقالتالي
2