الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ } * { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } * { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

الضمير في { أعينهم } مراد به كفار قريش، ومعنى الآية تبيين أنهم في قبضة القدرة وبمدرج العذاب إن شاء الله تعالى لهم، وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة: أراد الأعين حقيقة، والمعنى لأعميناهم فلا يرون كيف يمشون، ويؤيد هذا مجانسة المسخ للعمى الحقيقي، وقال ابن عباس: أراد أعين البصائر، والمعنى لو شئنا لختمنا عليهم بالكفر فلم يهتد منهم أحد أبداً، و " الطمس " إذهاب الشيء، من الآثار والهيئات، حتى كأنه لم يكن، أي جعلنا جلود وجوههم متصلة حتى كأنه لم تكن فيها عين قط، وقوله تعالى: { فاستبقوا } معناه على الفرض والتقدير، كأنه قال: ولو شئنا لأعميناهم فاحسب أو قدر أنهم يستبقون الصراط وهو الطريق { فأنى } لهم بالإبصار وقد أعميناهم، و " أنى " لفظة استفهام فيه مبالغة وقدره سيبويه، كيف ومن أين، { مسخناهم } ظاهره تبديل خلقتهم بالقردة والخنازير ونحوه مما تقدم في بني إسرائيل وغَيرهم، وقال الحسن وقتادة وجماعة من المفسرين: معناه لجعلناهم مقعدين مبطلين، لا يستطيعون تصرفاً، وقال ابن سلام هذا التوعد كله يوم القيامة، وقرأ جمهور القراء " على مكانتهم " بإفراد، وهو بمعنى المكان كما يقال دار ودارة، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر " على مكاناتهم " بالجمع، وفي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق، وقرأ جمهور القراء " مُضياً " بضم الميم، وقرأ أبو حيوة " مَضياً " بفتحها، ثم بين تعالى دليلاً في تنكيسه المعمرين وأن ذلك مما لا يفعله إلا الله تعالى، وقرأ جمهور الناس " نَنْكُسه " بفتح النون الأولى وسكون الثانية، وضم الكاف، وقرأ حمزة وعاصم بخلاف عنه " نُنَكِّسه " بضم النون الأولى وفتح الثانية وشد الكاف المكسورة على المبالغة، وأنكرها أبو عمرو على الأعمش، ومعنى الآية نحول خلقه من القوة إلى الضعف ومن الفهم إلى البله، ونحو هذا، وقرأ نافع وأبو عمرو في رواية عياش " تعقلون " بالتاء على معنى قل لهم، وقرأ الباقون " يعقلون " بالياء على ذكر الغائب، ثم أخبر تعالى عن حال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ورد قول من قال من الكفرة إنه شاعر، وإن القرآن شعر بقوله تعالى: { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول الشعر، ولا يزنه، وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم متمثلاً كسر وزنه، وإنما كان يحرز المعنى فقط وأنشد يوماً قول طرفة: [الطويل]

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً   ويأتيك من لم تزوده بالأخبار
وأنشد يوماً وقد قيل له من أشعر الناس؟ فقال الذي يقول: [الطويل]

ألم ترياني كلما جئت طارقاً   وجدت بها وإن لم تطيب طيبا

السابقالتالي
2