الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } * { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } * { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }

هذا إخبار من الله عز وجل عن حال أهل الجنة بعقب ذكر أهوال يوم القيامة وحالة الكفار، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن مسعود وابن عباس ومجاهد والحسن وطلحة وخالد بن إلياس " في شُغْل " بضم الشين وسكون الغين، وقرأ الباقون " في شُغُل " بالضم فيهما وهي قراءة أهل المدينة والكوفة، وقرأ مجاهد وأبو عمرو أيضاً بالفتح فيهما، وقرأ ابن هبيرة على المنبر " في شَغْل " بفتح الشين وسكون الغين وهي كلها بمعنى واحد، واختلف الناس في تعيين هذا الشغل، فقال ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب: في افتضاض الأبكار، وحكى النقاش عن ابن عباس سماع الأوتار، وقال مجاهد معناه نعيم قد شغلهم.

قال القاضي أبو محمد: وهذا هو القول الصحيح وتعيين شيء دون شيء لا قياس له، ولما كان النعيم نوعاً واحداً من حيث هو نعيم وحده فقال { في شغل } ولو اختلف لقال في أشغال، وحكى الثعلبي عن طاوس أنه قال: لو علم أهل الجنة عمن شغلوا ما همهم ما شغلوا به، قال الثعلبي: وسئل بعض الحكماء عن قوله عليه السلام " أكثر أهل الجنة البله " فقال: لأنهم شغلوا بالنعيم عن المنعم، وقرأ جمهور الناس " فاكهون " معناه أصحاب فاكهة كما تقول لابن وتامر وشاحم ولاحم، وقرأ أبو رجاء ومجاهد ونافع أيضاً وأبو جعفر " فكهون " ومعناه طربون وفرحون مأخوذ من الفكاهة أي لا همّ لهم، وقرأ طلحة والأعمش وفرقة " فاكهين " جعلت الخبر في الظرف الذي هو قوله { في شغل } ونصب " فاكهين " على الحال، وقوله تعالى: { هم } ابتداء و { أزواجهم } و { في ظلال } خبره ويحتمل أن يكون { هم } بدلاً من قوله { فاكهون } ويكون قوله { في ظلال } في موضع الحال كأنه قال مستظلين، وقرأ جمهور القراء " في ظلال " وهو جمع ظل إذ الجنة لا شمس فيها وإنما هواؤها سجسج كوقت الأسفار قبل طلوع الشمس، ويحتمل قوله { في ظلال } أن يكون جمع ظلة قال أبو علي كبرمة وبرام وغير ذلك، وقال منذر بن سعيد: { ظلال } جمع ظلة بكسر الظاء.

قال القاضي أبو محمد: وهي لغة في ظلة، وقرأ حمزة والكسائي " في ظلل " وهي جمع ظلة وهي قراءة طلحة وعبد الله وأبي عبد الرحمن، وهذه عبارة عن الملابس والمراتب من الحجال والستور ونحوها من الأشياء التي تظل، وهي زينة، و { الأرائك } السرر المفروشة، قال بعض الناس: من شروطها أن تكون عليها حجلة وإلا فليست بأريكة، وبذلك قيدها ابن عباس ومجاهد والحسن وعكرمة، وقال بعضهم: الأريكة السرير كان عليه حجلة أو لم يكن، وقوله تعالى: { ولهم ما يدعون } بمنزلة ما يتمنون قال أبو عبيدة: العرب تقول: ادع علي ما شئت بمعنى تمن علي، وتقول: فلان فيما ادعى أي فيما دعى به لأنه افتعل من دعا يدعو وأصل هذا يدتعيون نقلت حركة الياء إلى العين وحذفت الياء لاجتماعها مع الواو الساكنة فصار يدتعون قلبت التاء دالاً فأدغمت الدال فيها وخصت الدال بالبقاء دون التاء لأنها حرف جلد، والتاء حرف همس.

السابقالتالي
2