الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } * { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }

{ المقامة } الإقامة، وهو من أقام، و " المَقامة " بفتح الميم القيام وهو من قام، و { دار المقامة } الجنة، و " النصب " تعب البدن، و " اللغوب " تعب النفس اللازم عن تعب البدن، وقال قتادة " اللغوب " الوجع، وقرأ الجمهور " لُغوب " بضم اللام، وقرأ علي بن أبي طالب والسلمي " لَغوب " بفتح اللام أي شيء يعيينا، ويحتمل أن يكون مصدراً كالولوع والوضوء، ثم أخبر عن حال { الذين كفروا } معادلاً بذلك الإخبار قبل عن الذين اصطفى، وهذا يؤيد تأويل من قبل إن الأصناف الثلاثة هي كلها في الجنة لأن ذكر الكافرين إنما جاء ها هنا، وقوله { لا يقضى } معناه لا يجهز لأنهم لو ماتوا لبطلت حواسهم فاستراحوا، وقرأ الحسن البصري والثقفي " فيموتون " ووجهها العطف على { يقضى } وهي قراءة ضعيفة، وقوله { لا يخفف عنهم من عذابها } لا يعارضه قولهكلما خبت زدناهم سعيراً } [الإسراء: 97] لأن المعنى لا يخفف عنهم نوع عذابهم والنوع في نفسه يدخله أن يخبو أو يسعر ونحو ذلك، وقرأ جمهور القراء، " نجزي " بنصب " كلَّ " وبالنون في " نجزي " ، وقرأ أبو عمرو ونافع " يُجزى " بضم الياء على بناء الفعل للمفعول " كلُّ كفور " برفع " كلُّ " ، و { يصطرخون } يفتعلون من الصراخ أصله يصترخون فأبدلت التاء طاء لقرب مخرج الطاء من الصاد، وفي الكلام محذوف تقديره يقولون { ربنا } وطلبوا الرجوع إلى الدنيا في مقالتهم هذه فالتقدير فيقال لهم { أو لم نعمركم } على جهة التوقيف والتوبيخ، و { ما } في قوله { ما يتذكر } ظرفية، واختلف الناس في المدة التي هي حد للتذكير، فقال الحسن بن أبي الحسن: البلوغ، يريد أنه أول حال التذكر، وقال قتادة: ثمان عشرة سنة، وقالت فرقة: عشرون سنة، وحكى الزجاج: سبع عشرة سنة، وقال ابن عباس: أربعون سنة، وهذا قول حسن، ورويت فيه آثار، وروي أن العبد إذا بلغ أربعين سنة ولم يتب مسح الشيطان على وجهه وقال بابي وجه لا يفلح، وقال مسروق بن الأجدع: من بلغ أربعين سنة فليأخذ حذره من الله ومنه قول الشاعر: [الطويل]

إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكنْ   له دون ما يأتي حياءٌ ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى   وإن جر أسْباب الحياة له العمر
وقد قال قوم: الحد خمسون سنة وقد قال الشاعر: [الوافر]

أخو الخمسين مجتمع أشدي   ونجدني مداومة الشؤون
وقال الآخر: [الطويل]

وإن امرأً قد سار خمسين حجة   إلى منهل من ورده لقريب
وقال ابن عباس أيضاً وغيره: الحد في ذلك ستون وهي من الأعذار، وهذا أيضاً قول حسن متجه، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2