الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }

هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن فعل قريش وقولها أي هذه يا محمد سيرة الأمم فلا يهمنك أمر قومك، و " القرية " المدينة، و " المترف " المنع البطال الغني القليل تعب النفس والجسم فعادتهم المبادرة بالتكذيب، وقوله { وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً } يحتمل أن يعود الضمير على المترفين ويكون ذلك من قولهم مع تكذيبهم، ثم لما كانت قريش مثلهم أمره الله تعالى بأن يقول { إن ربي } الآية، ويحتمل أن يعود الضمير في { قالوا } لقريش ويكون كلام المترفين قد تم، ثم تطرد الآية بعد، وقولهم { نحن أكثر أموالاً وأولاداً } معناه الاحتجاج أي أن الله لم يعطنا هذا وقدره لنا إلا لرضاء عنا وعن طريقنا ونحن لا نعذب البتة إذ الله الذي تزعم أنت علمه بجميع الأشياء وإحاطته قد قدر علينا النعم، فهو إذن راض عنا، وقال بعض المفسرين معنى قولهم { وما نحن بمعذبين } أي بالفقر.

قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ليس كالأول في القوة فأمر الله تعالى نبيه أن يقول: إن الأمر ليس كما ظنوا بل بسط الرزق وقدره معلق بالمشيئة في كافر ومؤمن وليس شيء من ذلك دليلاً على رضى الله تعالى والقرب منه لأنه قد يعطي ذلك إملاء واستدراجاً، وكثير من الناس لا يعلم ذلك كأنتم أيها الكفار، وقرأت فرقة " ويقدر " ، وقرأت فرقة " ويُقَدّر " بضم الباء وفتح القاف وشد الدال وهي راجعة إلى معنى التضييق الذي هو ضد البسط، ثم أخبرهم بأن أموالهم وأولادهم ليست بمقربة من الله { زلفى } ، والزلفى مصدر بمعنى القرب، وكأنه قال تقربكم عندنا تقريباً، وقرأ الضحاك " زلَفًى " بفتح اللام وتنوين الفاء، وقوله تعالى: { إلا من آمن } استثناء منقطع، و { من } في موضع نصب بالاستثناء، وقال الزجاج { من } بدل من الضمير في { تقربكم } ، وقال الفراء { من } في موضع رفع، وتقدير الكلام ما هو المقرب إلا من آمن، وقرأ الجمهور " جزاءُ الضعفِ " بالإضافة، وقرأ قتادة " جزاءُ الضعفُ " برفعها، وحكى عنه الداني " جزاءَ " بالنصب " الضعفَ " بنصب الفاء، و { الضعف } هنا اسم جنس أي بالتضعيف إذ بعضهم يجازى إلى عشرة وبعضهم أكثر إلى سبعمائة بحسب الأعمال. ومشيئة الله تعالى فيها، وقرأ جمهور القراء " في الغرفات " بالجمع، وقرأ حمزة وحده " في الغرفة " على اسم الجنس يراد به الجمع، ورويت عن الأعمش وهما في القراءة حسنتان، قال أبو علي: وقد يجيء هذا الجمع بالألف والتاء " الغرفات " ونحوه للتكثير ومنه قول حسان بن ثابت:

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى   وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فلم يرد إلا كثرة جفان.

قال الفقيه الإمام القاضي: وتأمل نقد الأعشى في هذا البيت، وقرأ الأعمش والحسن وعاصم بخلاف في " الغرْفات " بسكون الراء.