الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } * { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ }

قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر " ولقد صدَق " بتخفيف الدال " إبليسُ " رفعاً " ظنَّه " بالنصب على المصدر، وقيل على الظرفية، أي في ظنه، وقيل على المفعول على معنى أنه لما ظن عمل عملاً يصدق به ذلك الظن، فكأنه إنما أراد أن يصدق ظنه، وهذا من قولك أخطأت ظني وأصبت ظني، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " صدَّق " بتشديد الدال فـ " الظن " على هذا مفعول بـ " صدَّق " وهي قراءة ابن عباس وقتادة وطلحة وعاصم والأعمش، وقرأ الزهري وأبو الهجاج " ظنُّه " بالرفع، وبلال ابن أبي بردة " صدَق " بتخفيف الدال " إبليسَ " النصب " ظنُّه " بالرفع، وقرأت فرقة " صدَق " بالتخفيف " إبليسُ " بالرفع على البدل وهو بدل الاشتمال، ومعنى الآية أن ما قال إبليس من أنه سيفتن بني آدم ويغويهم وما قال من أن الله لا يجد أكثرهم شاكرين وغير ذلك كان ظناً منه فصدق فيهم، وأخبر الله تعالى عنهم أنهم " اتبعوه " وهو اتباع في كفر لأنه في قصة قوم كفار، وقوله { ممن هو منها في شك } يدل على ذلك و { من } في قوله { من المؤمنين } لبيان الجنس لا للتبعيض، لأن التبعيض يقتضي أن فريقاً من المؤمنين اتبعوا إبليس، و " السلطان " الحجة، وقد يكون الاستعلاء والاستقدار، إذ اللفظ من التسلط، وقال الحسن بن أبي الحسن: والله ما كان له سيف ولا سوط ولكنه استمالهم فمالوا بتزيينه، وقوله تعالى: { إلا لنعلم } أي لنعلمه موجوداً، لأن العلم به متقدم أزلاً، وقرأت فرقة " إلا ليُعلم " بالياء على ما لم يسم فاعله، وقوله تعالى: { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله } الآية، آية تعجيز وإقامة حجة، ويروى أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشاً، والجمهور على " قلُ ادعوا " بضم اللام وروى عباس عن أبي عمرو " قلِ ادعوا " بكسر اللام، وقوله { الذين } يريد الملائكة والأصنام وذلك أن قريشاً والعرب كان منهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يقول نعبدها لتشفع لنا ونحو هذا، فنزلت هذه الآية معجزة لكل منهم، ثم جاء بصفة هؤلاء الذين يدعونهم آلهة من أنهم { لا يملكون } ملك الاختراع { مثقال ذرة } في السماء { ولا في الأرض } وأنهم لا شرك لهم فيهما وهذان فيهما نوعا الملك إما استبداداً وإما مشاركة، فنفى عنهم جميع ذلك، ونفى أن يكون منهم لله تعالى معين في شيء من قدرته و " الظهير " المعين، ثم تقرر في الآية بعد أن الذين يظنون أنهم يشفعون لهم لا تصح منه شفاعة لهم إذ هؤلاء كفرة ولا يأذن الله تعالى في الشفاعة في كافر.