الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً }

هذه الآية تضمنت قصتين إحداهما الأدب في أمر الطعام والجلوس والثانية في أمر الحجاب، فأما الأولى فالجمهور من المفسرين على أن سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش أولم عليها فدعا الناس، فلما طعموا، قعد نفر في طائفة من البيت فثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم فخرج ليخرجوا لخروجه، ومر على حجر نسائه ثم عاد فوجدهم في مكانهم وزينب في البيت معهم، فلما دخل وراءهم انصرف فخرجوا عند ذلك، قال أنس بن مالك: فأعلم أو أعلمته بانصرافهم فجاء، فلما وصل الحجرة أرخى الستر بيني وبينه ودخل، ونزلت الآية بسبب ذلك، وقال قتادة ومقاتل وفي كتاب الثعلبي: إن هذا السبب جرى في بيت أم سلمة والأول أشهر، وقال ابن عباس: نزلت في ناس في المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون، وقال إسماعيل بن أبي حكيم: هذا أدب أدّب الله تعالى به الثقلاء، وقال ابن أبي عائشة في كتاب الثعلبي: بحسبك من الثقلاء إن الشرع لم يحتملهم، وأما آية الحجاب فقال أنس بن مالك وجماعة سببها أمر والعقود في بيت زينب، القصة المذكورة آنفاً، وقالت فرقة بل في بيت أم سلمة، وقال مجاهد سبب آية الحجاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل معه قوم وعائشة معهم فمست يدها يد رجل منهم فنزلت آية الحجاب بسبب ذلك، وقالت عائشة وجماعة سبب الحجاب كلام عمر وأنه كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً في أن يحجب نساءه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل وكان عمر يتابع فخرجت سودة ليلة لحاجتها وكانت امرأة تفرع النساء طولاً فناداها عمر قد عرفناك يا سودة حرصاً على الحجاب.

وقالت له زينب بنت جحش: عجبنا لك يا ابن الخطاب تغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا، فما زال عمر يتابع حتى نزلت آية الحجاب، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وافقت ربي في ثلاث: منها الحجاب، ومقام إبراهيم، وعسى ربه إن طلقكن الحديث، وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى دار الدعوة ينتظر طبخ الطعام ونضجه في حديث أنس، وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا، كذلك فنهى الله تعالى المؤمنين عن أمثال ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ودخل في النهي سائر المؤمنين، والتزم الناس أدب الله تعالى لهم في ذلك فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل لا قبله لانتظار نضج الطعام، و { ناظرين } معناه منتظرين و { إناه } مصدر أنى الشيء يأنى إذا فرغ وحان آناً، ومنه قول الشاعر: [الوافر]


السابقالتالي
2