الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

قال أبو رافع كان عمر كثيراً ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصبح، فكان إذا بلغ { يا نساء النبي } رفع بها صوته، فقيل له فقال أذكرهن العهد. وقرأ الجمهور " من يأت " بالياء وكذلك " من يقنت " حملاً على لفظ { من } ، وقرأ عمرو بن فائد الجحدري ويعقوب " من تأت " و " من تقنت " بالتاء من فوق حملاً على المعنى، وقال قوم: " الفاحشة " إذا وردت معرفة فهي الزنا واللواط، وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي كل ما يستفحش، وإذا وردت موصوفة بالبيان فهي عقوق الزوج وفساد عشرته، ولذلك يصفها بالبيان إذ لا يمكن سترها، والزنا وغيره هو مما يتستر به ولا يكون مبيناً، ولا محالة أن الوعيد واقع على ما خفي منه وما ظهر. وقالت فرقة بل قوله { بفاحشة مبينة } تعم جميع المعاصي، وكذلك الفاحشة كيف وردت. ولما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله تعالى ونواهيه قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن، فضوعف لهن الأجر والعذاب، والإشارة بالفاحشة إلى الزنا وغيره، وقرأ ابن كثير وشبل وعاصم " مبيَّنة " بالفتح في الياء، وقرأ نافع وأبو عمرو وقتادة " مبيَنة " بكسر الياء، وقرأت فرقة " يضعف " بالياء على إسناد الفعل إلى الله تعالى، وقرأ أبو عمرو فيما روى عنه خارجة " نُضاعف " بالنون المضمومة ونصب " العذابَ " وهي قراءة ابن محيصن، وهذه مفاعلة من واحد كطارقت النعل وعاقبت اللص، وقرأ نافع وحمزة والكسائي " يضاعَف " بالياء وفتح العين، " العذابُ " رفعاً، وقرأ أبو عمرو " يضعَّف " على بناء المبالغة بالياء " العذابُ " رفعاً وهي قراءة الحسن وابن كثير وعيسى، وقرأ ابن كثير وابن عامر " نضعِّف " بالنون وكسر العين المشددة " العذابَ " نصباً وهي قراءة الجحدري. وقوله { ضعفين } معناه أن يكون العذاب عذابين، أي يضاف إلى عذاب سائر الناس عذاب آخر مثله، وقال أبو عبيدة وأبو عمرو، وفيما حكى الطبرى عنهما، بل يضاعف إليه عذابان مثله فتكون ثلاثة أعذبة وضعفه الطبري، وكذلك هو غير صحيح وإن كان له باللفظ تعلق احتمال ويكون الأجر مرتين مما يفسد هذا القول لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة، والإشارة بذلك إلى تضعيف العذاب. و { يقنت } معناه يطيع ويخضع بالعبودية قال الشعبي وقتادة، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر " يقنت " بالياء، " وتعمل " بالتاء، " نؤتها " بالنون، وهي قراءة الجمهور، قال أبو علي أسند " يقنت " إلى ضمير فلما تبين أنه المؤنث حمل فيما يعمل على المعنى، وقرأ حمزة والكسائي كل الثلاثة المواضع بالياء حملاً في الأولين على لفظ { من } وهي قراءة الأعمش وأبي عبد الرحمن وابن وثاب، وقرأ الأعمش " فسوف يؤتها الله أجرها " ، و " الإعتاد " التيسير والإعداد، و " الرزق الكريم " الجنة، ويجوز أن يكون في ذلك وعد دنياوي، أي أن رزقها في الدنيا على الله وهو كريم من حيث ذلك هو حلال وقصد وبرضى من الله في نيله، وقال بعض المفسرين { العذاب } الذي توعد به { ضعفين } هو عذاب الدنيا ثم عذاب الآخرة وكذلك الأجر.

السابقالتالي
2