الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } * { فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } * { فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور بما فيه كفاية، وقرأ الجمهور " غُلبت " بضم الغين وقالوا معنى الآية أنه طرأ بمكة أن الملك كسرى هزم جيش ملك الروم قال مجاهد: في الجزيرة وهو موضع بين العراق والشام، وقال عكرمة: وهي بين بلاد العرب والشام، وقال مقاتل: بالأردن وفلسطين، فلما طرأ ذلك سر الكفار فبشر الله عباده بأن الروم { سيغلبون في بضع سنين } وتكون الدولة لهم في الحرب، وقرأ أبو سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن قرة وعبد الله بن عمر " غَلَبت " الروم بفتح الغين واللام، وتأويل ذلك أن الذي طرأ يوم بدر إنما كان أن الروم غلبت فعز ذلك على كفار قريش وسر المسلمون فبشر الله تعالى عباده بأنهم { سيغلبون } أيضاً { في بضع سنين } ، ذكر هذا التأويل أبو حاتم، والرواية الأولى والقراءة بضم الغين أصح، وأجمع الناس على " سيَغلبون " أنه بفتح الياء يريد به الروم، وروي عن ابن عمرو أنه قرأ أيضاً " سيُغلبون " بضم الياء، وفي هذه القراءة قلب للمعنى الذي تظاهرت الروايات به، و { أدنى الأرض } معناه أقرب الأرض، فإن كانت الوقعة في أذرعات فهي من { أدنى الأرض } بالقياس إلى مكة وهي التي ذكر امرؤ القيس في قوله: [الطويل]

تنورتها من أذرعات وأهلها   بيثرب أدنى دارها نظر عال
وإن كانت الوقعة بالجزيرة فهي { أدنى } بالقياس إلى أرض كسرى، وإن كانت بالأردن فهي { أدنى } إلى أرض الروم، قال أبو حاتم: وقرىء " أداني الأرض " ، وقرأ جمهور الناس " غلَبهم " بفتح اللام كما يقال أحلب حلباً لك شطره، وقرأ ابن عمر بسكونها وهما مصدران بمعنى واحد وأضيف إلى المفعول، وروي في قصص هذه الآية عن ابن عباس وغيره أن الكفار لما فرحوا بمكة بغلب الروم بشر الله نبيه والمؤمنين بأن الروم { سيغلبون في بضع سنين } أي من الثلاثة إلى التسعة على مشهور قول اللغويين. كأنه تبضيع العشرة أي تقطيعها وقال أبو عبيدة: من الثلاث إلى الخمس، وقوله مردود، فلما بشرهم بذلك خرج أبو بكر الصديق إلى المسجد فقال لهم: أسركم إن غلبت الروم فإن نبينا أخبرنا عن الله تعالى أنهم { سيغلبون في بضع سنين } فقال له أبي بن خلف وأمية أخوه وقيل أبو سفيان بن حرب تعال يا أبا فصيل يعرضون بكنيته بالبكر فلنتناحب، أي نتراهن، في ذلك فراهنهم أبو بكر قال قتادة: وذلك قبل أن يحرم القمار وجعل الرهن خمس قلائص، والأجل ثلاث سنين، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له " إن البضع إلى التسعة ولكن زدهم في الرهن واستزدهم في الأجل "

السابقالتالي
2 3