الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَيُحْي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ }

{ الحي } و { الميت } في هذه الآية يستعمل حقيقة ويستعمل مجازاً، فالحقيقة المني يخرج منه الإنسان والبيضة يخرج منها الطائر وهذه بعينها ميتة تخرج من حي وما جرى هذا المجرى، وبهذا المعنى فسر ابن عباس وابن مسعود وقال الحسن: المعنى المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

قال الفقيه الإمام القاضي: وروي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية عندما كلمته بالإسلام أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، والمجاز إخراج النبات الأخضر من الأرض وإخراج الطعم من النبات وما جرى هذا المجرى، ومثل بعد إحياء الأرض بالمطر بعد موتها بالدثور والعطش، ثم بعد هذا الأمثلة القاضية بتجويز بعث الأجساد عقلاً ساق الخبر بأن كذلك خروجنا من القبور. وقرأت فرقة " يخرجون " بالياء من تحت، وقرأ عامة القراء " تُخرجون " بالتاء المضمومة، وقرأ الحسن وابن وثاب والأعمش وطلحة بفتح التاء وضم الراء، و { من } في قوله { ومن آياته أن خلقكم } للتبعيض، وقال { خلقكم } من حيث خلق أباهم آدم قاله قتادة، و { تنتشرون } معناه تتصرفون وتتفرقون في الأغراض والأسفار ونحوها، وقوله { من أنفسكم } يحتمل أن يريد خلقه حواء من ضلع آدم فحمل ذلك على جميع النساء من حيث أمهم مخلوقة من نفس آدم، أي من ذات شخصه، ويحتمل أن يريد من نوعكم ومن جنسكم، و " المودة والرحمة " على بابها المشهور من التواد والتراحم، هذا هو البليغ، وقال مجاهد والحسن وعكرمة: عنى بـ " المودة " الجماع وبـ " الرحمة " الولد، ثم نبه تعالى على خلق السماوات والأرض واختلاف اللغات والألوان وهذه عظم مواقع العبرة من هذه الآيات، وقوله { وألوانكم } يحتمل أن يريد البياض والسواد وغيرهما، ويحتمل أن يريد ضروب بني آدم وأنواعهم نعم وأشخاص الأخوة ونحوهم تختلف بالألوان ونعم الألسنة وبذلك تصح الشهادات والمداينات وتقع الفروق والتعيين فهكذا تبين النعمة، وقرأ جمهور القراء " لَلعالمين " بفتح اللام، وقرأ حفص عن عاصم " لِلعالمين " بكسر اللام فالأولى على أن هذه الآية هي نفسها منصوبة لجميع العالم والثانية على معنى أن أهل الانتفاع بالنظر فيها إنما هم أهل العلم.