الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }

اختلف المفسرون لم قال زكرياء { رب أنّى يكون لي غلام } فقال عكرمة والسدي: إنه نودي بهذه البشارة، جاء الشيطان يكدر عليه نعمة ربه فقال هل تدري من ناداك؟ قال: نادتني ملائكة ربي قال بل ذلك الشيطان ولو كان هذا من عند ربك لأخفاه لك كما أخفيت نداءك قال: فخالطت قلبه وسوسة وشك مكانه، فقال: { أنّى يكون لي غلام } وذهب الطبري وغيره إلى أن زكرياء لما رأى حال نفسه وحال امرأته وأنها ليست بحال نسل سأل عن الوجه الذي به يكون الغلام، أتبدل المرأة خلقتها أم كيف يكون؟

قال الفقيه أبو محمد: وهذا تأويل حسن يليق بزكرياء عليه السلام وقال مكي: وقيل إنما سأل لأنه نسي دعاءه لطول المدة بين الدعاء والبشارة وذلك أربعون سنة.

قال الفقيه أبو محمد: وهذا قول ضعيف المعنى، و { أنّى } معناها كيف ومن أين، وقوله { بلغني الكبر } استعارة كأن الزمان طريق والحوادث تتساوق فيه فإذا التقى حادثان فكأن كل واحد منهما قد بلغ صاحبه وحقيقة البلوغ في الأجرام أن ينتقل البالغ إلى المبلوغ إليه، وحسن في الآية: { بلغني الكبر } من حيث هي عبارة واهن منفعل وبلغت عبارة فاعل مستعل، فتأمله ولا يعترض على هذا بقوله:وقد بلغت من الكبر عتياً } [مريم: 8] لأنه قد أفصح بضعف حاله في ذكر العتيّ، والعاقر الإنسان الذي لا يلد، يقال ذلك للمرأة والرجل، قال عامر بن الطفيل:

لبئس الفتى إن كنت أعور عاقراً   جباناً فما عذري لدى كل مشهد؟
و " عاقر " بناء فاعل وهو على النسب وليس بجار على الفعل، والإشارة بذلك في قوله: { كذلك الله } ، يحتمل أن تكون إلى هذه الغريبة التي بشر بها أي كهذه القدرة المستغربة هي قدرة الله، ففي الكلام حذف مضاف، والكلام تام في قوله: { كذلك الله } وقوله: { يفعل ما يشاء } شرح الإبهام الذي في ذلك، ويحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى حال زكرياء وحال امرأته كأنه قال: ربِّ على أي وجه يكون لنا غلام ونحن بحال كذا؟ فقال له: كما أنتما يكون لكما الغلام، والكلام تام على هذا التأويل في قوله: { كذلك } وقوله: { والله يفعل ما يشاء } جملة مبينة مقررة في النفس وقوع هذا الأمر المستغرب.