الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ }

والمعنى: كل نفس مخلوقة حية، والذوق هنا: استعارة { وإنما } حاصرة على التوفية التي هي على الكمال، لأن من قضي له بالجنة فهو ما لم يدخلها غير موفى، وخص تعالى ذكر " الأجور " لشرفها وإشارة مغفرته لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، ولا محالة أن المعنى: أن يوم القيامة تقع توفية الأجور وتوفية العقاب، و { زحزح } معناه: أبعد، والمكان الزحزح: البعيد، وفاز معناه: نجا من خطره وخوفه، و { الغرور } ، الخدع والترجية بالباطل، والحياة الدنيا وكل ما فيها من الأموال فهي متاع قليل تخدع المرء وتمنيه الأباطيل وعلى هذا فسر الآية جمهور من المفسرين، قال عبد الرحمن بن سابط: { متاع الغرور } كزاد الراعي يزود الكف من التمر أو الشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن، قال الطبري: ذهب إلى أن متاع الدنيا قليل لا يكفي من تمتع به ولا يبلغه سفره.

قال القاضي: و { الغرور } في هذا المعنى مستعمل في كلام العرب، ومنه قولهم في المثل: غش ولا تغتر، أي لا تجتز بما لا يكفيك، وقال عكرمة: { متاع الغرور } ، القوارير أي لا بد لها من الانكسار والفساد، فكذلك أمر الحياة الدنيا كله، وهذا تشبيه من عكرمة، وقرأ عبد الله بن عمر " الغَرور " بفتح الغين، وقرأ أبو حيوة والأعمش: { ذائقة } بالتنوين { الموت } بالنصب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم، " لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها " ، ثم تلا هذه الآية.