الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

{ نملي } معناه: نمهل ونمد في العمر، والملاوة: المدة من الدهر والملوان الليل والنهار وتقول: ملاك الله النعمة أي منحكها عمراً طويلاً، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: " يحسبن " بالياء من أسفل وكسر السين وفتح الباء، وقرأ ابن عامر كذلك إلا في السين فإنه فتحها وقرأ حمزة تحسبن. بالتاء من فوق الباء، وقرأ ابن عامر كذلك إلا في -السين- فإنه فتحها، وقرأ حمزة " تحسبن ". بالتاء من فوق وفتح السين، وقرأ عاصم والكسائي، كل ما في هذه السورة بالتاء من فوق إلا حرفين، قوله { ولا يحسبن الذين كفروا } في هذه الآية وبعدها { ولا يحسبن الذين يبخلون } فأما من قرأ " ولا يحسبن " بالياء من أسفل فإن { الذين } فاعل وقوله { إنما نملي لهم خير } بفتح الألف من " أنما " ساد مسد مفعولي حسب، وذلك أن " حسب " وما جرى مجراها تتعدى إلى مفعولين أو إلى مفعول يسد مسد مفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما تتعدى إليه ذكر الحديث والمحدث عنه، قال أبو علي: وكسر " إن " في قوله من قرأ " يحسبن " بالياء لا ينبغي، وقد قرىء فيما حكاه غير أحمد بن موسى وفي غير السبع، ووجه ذلك أن يتلقى بها القسم كما يتلقى بلام الابتداء، ويدخلان على الابتداء والخبر، أعني -اللام- وإن فعلق عن " إنما " عمل الحسبان كما تعلق عن اللام في قولك: حسبت لزيد قائم، فيعلق الفعل عن العمل لفظاً، وأما بالمعنى فما بعد " أن أو اللام " ففي موضع مفعولي " حسب " ، وما يحتمل أن تكون بمعنى الذي، ففي { نملي } عائد مستكن، ويحتمل أن تكون مصدرية فلا تحتاج إلى تقدير عائد وأما من قرأ " ولا تحسبن " بالتاء فالذين مفعول أول للحسبان، قال أبو علي: وينبغي أن تكون الألف من " إنما " مكسورة في هذه القراءة، وتكون " إن " وما دخلت عليه في موضع المفعول الثاني لتحسبن، ولا يجوز فتح الألف من " إنما " لأنها تكون المفعول الثاني، والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول بالمعنى، والإملاء لا يكون إياهم، قال مكي في مشكله: ما علمت أحداً قرأ " تحسبن " بالتاء من فوق وكسر الألف من " إنما " وجوز الزجّاج هذه القراءة " تحسبن " بالتاء و " أنما " بفتح الألف، وظاهر كلامه أنها تنصب خيراً، قال وقد قرأ بها خلق كثير وساق عليها مثالاً قول الشاعر: [الطويل]

(فما كان قيسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ وَاحِدٍ)   
بنصب هلك الثاني على أن الأول بدل، فكذلك يكون { إنما نملي } بدلاً من { الذين كفروا } كقوله تعالى:

السابقالتالي
2