الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

الخطاب بقوله تعالى: { قد خلت } للمؤمنين والمعنى: لا يذهب بكم إن ظهر الكفار المكذبون عليكم بأحد " فإن العاقبة للمتقين " وقديماً أدال الله المكذبين على المؤمنين، ولكن انظروا كيف هلك المكذبون بعد ذلك، فكذلك تكون عاقبة هؤلاء، وقال النقاش: الخطاب بـ { قد خلت } للكفار.

قال الفقيه القاضي أبو محمد: وذلك قلق، و { خلت } معناه: مضت وسلفت، قال الزجّاج: التقدير أهل سنن، و " السنن ": الطرائق من السير والشرائع والملك والفتن ونحو ذلك، وسنة الإنسان: الشيء الذي يعمله ويواليه، ومن ذلك قول خلد الهذلي، لأبي ذؤيب:

فَلاَ تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّة أَنْتَ سِرْتَها   فَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسيرُها
وقال سليمان بن قتة:

وإنَّ الأُلى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ   تأسَّوْا فسَنُّوا للكرام التأسِّيَا
وقال لبيد:

مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ   وَلكلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وإِمَامُهَا
وقال ابن زيد: { قد خلت من قبلكم سنن } معناه: أمثال.

قال الفقيه الإمام: هذا تفسير لا يخص اللفظة، وقال تعالى: { فسيروا } وهذا الأمر قد يدرك بالإخبار دون السير لأن الإخبار إنما يكون ممن سار وعاين، إذ هو مما يدرك بحاسة البصر وعن ذلك ينتقل خبره، فأحالهم الله تعالى على الوجه الأكمل، وقوله: { فانظروا } ، هو عند الجمهور من نظر العين، وقال قوم: هو بالفكر.

وقوله تعالى: { هذا بيان للناس } قال الحسن: الإشارة إلى القرآن، وقال قتادة في تفسير الآية: هو هذا القرآن جعله الله بياناً للناس عامة وهدى وموعظة للمتقين خاصة، وقال بمثله ابن جريج والربيع.

قال القاضي: كونه بياناً للناس ظاهر، وهو في ذاته أيضاً هدى منصوب وموعظة، لكن من عمي بالكفر وضل وقسا قلبه لا يحسن أن يضاف إليه القرآن، وتحسن إضافته إلى " المتقين " الذين فيهم نفع وإياهم هدى، وقال ابن إسحاق والطبري وجماعة: الإشارة بـ { هذا } إلى قوله تعالى: { قد خلت من قبلكم سنن } الآية، قال ابن إسحاق: المعنى هذا تفسير للناس إن قبلوه، قال الشعبي: المعنى، هذا بيان للناس من العمى.

ثم نهى عز وجل المؤمنين عن الوهن لما أصابهم بأحد، والحزن على من فقد، وعلى مذمة الهزيمة، وآنسهم بأنهم { الأعلون } أصحاب العاقبة، والوهن: الضعف، واللين والبلى، ومنه:وهن العظم مني } [مريم: 4] ومنه قول زهير: [البسيط]

فَأَصْبَحَ الْحَبْلُ مِنْها واهِناً خلقَا   
ومن كرم الخلق ألا يهن الإنسان في حربه وخصامه، ولا يلين إذا كان محقاً، وأن يتقصى جميع قدرته ولا يضرع ولو مات، وإنما يحسن اللين في السلم والرضى، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " المؤمن هين لين، والمؤمنون هينون لينون " ومنه قول الشاعر: [المنخل الهذلي]: [المتقارب].

لَعَمْرُكَ مَا إنْ أَبُو مالِكِ   بِوَاهٍ ولا بِضَعِيفٍ قُواه
إذا سُدْتَه سُدْتَه مِطْواعَةً   وَمَهْما وَكلْتَ إلَيْهِ كَفَاه

السابقالتالي
2 3