الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } * { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

الخطاب بقوله: { يا أيها الذين آمنوا } عام في المؤمنين، والإشارة بذلك - وقت نزوله - إلى الأوس والخزرج بسبب نائرة شاس بن قيس، و " الفريق " -الجماعة من الناس والمراد بها هنا الأحبار والرؤوس، و { يردوكم } معناه: بالإضلال والتشكيك والمخادعة وإظهار الغش في معرض النصح، ثم وقف تعالى المؤمنين على هذا الأمر المستبعد المستشنع الذي يريده بهم اليهود، فقال { وكيف تكفرون وأنتم } بهذه الأحوال الموصوفة؟ و { كيف } في موضع نصب على الحال، كما هي في قوله تعالى:كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم } [البقرة: 28] والمعنى أجاحدين تكفرون؟ أجاهلين أمستخفين أمرتدين؟ ونحو هذا من التقدير والواو في قوله: { وكيف تكفرون } عاطفة جملة كلام على جملة كلام، ولا يجوز أن تكون { كيف } في هذه الآية كما هي في قولك، كيف تفعل كذا، وأنت تسأل عن شيء ثابت الوقوع متحصلة، لأنه كان يلزم أن يكون كفر المؤمنين مقرراً مثبت الوقوع، وتأمل معنى { كيف } إذا وليها فعل، ومعناها إذا وليها اسم، وقرأ جمهور الناس " تتلى " بالتاء من فوق، وقرأ الحسن: " يتلى " بالياء إذ الآيات هي القرآن، وقوله تعالى: { وفيكم } هي ظرفية الحضور والمشاهدة لشخصه عليه السلام، وهو في أمته إلى يوم القيامة، بأقواله وآثاره، و { يعتصم } معناه: يتمسك ويستذري، وعصم الشيء إذا منع وحمي، ومنه قولهيعصمني من الماء } [هود: 43] والعصم الأسباب التي يمتّ بها، ويعتصم من الخيبة في الغرض المطلوب، وقال الأعشى: [المتقارب]

إلى الْمَرْءِ قَيْس أُطِيلُ السُّرى   وآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ عِصَمْ
وتصرف اللفظة كثير جداً، وباقي الآية بيّن، والله المستعان.