الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }

نبه في ذكر خلق { السماوات والأرض } على أمر يوقع الذهن على صغر قدر الأوثان وكل معبود من دون الله، وقوله تعالى: { بالحق } أي بالواجب النير لا للعبث واللعب، بل ليدل على سلطانه ويثبت شرائعه ويضع الدلالات لأهلها ويعم بالمنافع إلى غير ذلك مما لا يحصى عداً، ثم أمر تعالى نبيه عليه السلام بالنفوذ لأمره وتلاوة القرآن الذي أوحي إليه، وإقامة الصلاة أي إدامتها والقيام بحدودها ثم أخبر حكماً منه { إن الصلاة تنهى } صاحبها وممتثلها { عن الفحشاء والمنكر }.

قال الفقيه الإمام القاضي: وذلك عندي بأن المصلي إذا كان على الواجب من الخشوع والإخبات وتذكر الله تعالى وتوهم الوقوف بين يدي العظمة، وأن قلبه وإخلاصه مطلع عليه مرقوب صلحت لذلك نفسه وتذللت وخامرها ارتقاب الله تعالى فاطرد ذلك في أقواله وأعماله وانتهى عن الفحشاء والمنكر، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حاله، فهذا معنى هذا الإخبار لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون، وقد روي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه فكلم في ذلك فقال: إني أقف بين يدي الله تعالى وحق لي هذا مع ملوك الدنيا فكيف مع ملك الملوك.

قال الفقيه الإمام القاضي: فهذه صلاة تنهى ولا بد عن الفحشاء والمنكر، ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء لا خشوع فيها ولا تذكر ولا فضائل فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان، فإن كان على طريقة معاص تبعده من الله تركته الصلاة يتمادى على بعده وعلى هذا يخرج الحديث المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن والأعمش قولهم " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعداً " وقد روي أن الحسن أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك غير صحيح السند، سمعت أبي رضي الله عنه يقوله فإذا قررناه ونظرنا معناه فغير جائز أن نقول إن نفس صلاة العاصي تبعده من الله حتى كأنها معصية، وإنما يتخرج ذلك على أنها لا تؤثر في تقريبه من الله تعالى بل تتركه في حاله ومعاصيه من الفحشاء والمنكر تبعده، فلم تزده الصلاة إلا تقرير ذلك البعد الذي كان بسبيله، فكأنها بعدته حين لم تكف بعده عن الله تعالى، وقيل لابن مسعود إن فلاناً كثير الصلاة، فقال: إنها لا تنفع إلا من أطاعها، وقرأ الربيع بن أنس " إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر " ، وقال ابن عمر { الصلاة } ها هنا القرآن، وقال حماد بن أبي سليمان وابن جريج والكلبي: إن الصلاة تنهى ما دمت فيها.

السابقالتالي
2