الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ }

تقدم القوم في القرآن في { أئنكم } ، واختلف الناس في قطع السبيل المشار إليه ها هنا، فقالت فرقة: كان قطع الطريق بالسلب فاشياً فيهم، وقال ابن زيد: كانوا يقطعون الطرق على الناس لطلب الفاحشة فكانوا يخيفون، وقالت فرقة: بل أراد قطع سبيل النسل في ترك النساء وإتيان الرجال، وقالت فرقة: أراد أنهم لقبح الأحدوثة عنهم يقطعون سبل الناس عن قصدهم في التجارات وغيرها، و " النادي " المجلس الذي يجتمع فيه الناس وهو اسم جنس لأن الأندية في المدن كثيرة فكأنه قال وتأتون في اجتماعكم حيث اجتمعتم.

واختلف الناس في { المنكر } ، فقالت فرقة كانوا يحذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم وروته أم هاني عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت حلقهم مهملة لا يربطهم دين ولا مروءة، وقال مجاهد ومنصور: كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضاً، وقال القاسم بن محمد: منكرهم أنهم كانوا يتفاعلون في مجالسهم، ذكره الزهراوي، وقال ابن عباس كانوا يتضارطون ويتصافعون في مجالسهم، وقال مجاهد أيضاً: كان أمرهم لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والحذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم وقد توجد هذه الأمور في بعض عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالتناهي واجب، فلما وقفهم لوط على هذه القبائح رجعوا إلى التكذيب واللجاج فقالوا { ائتنا } بالعذاب، أي أن ذلك لا يكون ولا تقدر عليه، وهم لم يقولوا هذا إلا وهم مصممون على اعتقاد كذبه، وليس يصح في الفطرة أن يكون معاند يقول هذا، ثم استنصر لوط عليه السلام ربه عليهم، فبعث ملائكة لعذابهم ورجمهم بالحاصب فجاؤوا إبراهيم أولاً مبشرين بإسحاق ومبشرين بنصرة لوط على قومه، وكان لقاؤهم لإبراهيم على الصورة التي بنيت في غير هذه الآية، فلفظة " البشرى " في هذه الآية تتضمن أمر إسحاق ونصرة لوط، ولما أخبره بإهلاك القرية على ظلمهم أشفق إبراهيم على لوط فعارضهم بأمره حسبما يأتي.