الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } * { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

هذا النداء أيضاً كالأول في احتماله الواسطة من الملائكة، وهذا النداء أيضاً للكفار يوقفهم على ما أجابوا به { المرسلين } الذين دعوهم إلى الله تعالى فتعمى { عليهم الأنباء } أي أظلمت لهم الأمور فلم يجدوا خبراً يخبرون به مما لهم فيه نجاة، وساق الفعل في صيغة المضي لتحقق وقوعه وأنه يقين، والماضي من الأفعال متيقن فلذلك توضع صيغته بدل المستقبل المتقين وقوعه وصحته، و " عميت " معناه أظلمت جهاتها وقرأ الأعمش " فعُمّيت " بضم العين وشد الميم، وروي في بعض الحديث: كان الله في عماء، وذلك قبل أن يخلق الأنوار وسائر المخلوقات، و { الأنباء } جمع نبأ، وقوله تعالى { فهم لا يتساءلون } معناه فيما قال مجاهد وغيره بالأرحام والمتات الذي عرفه في الدنيا أن يتساءل به لأنهم قد أيقنوا أن كلهم لا حيلة له ولا مكانة.

ويحتمل أن يريد أنهم لا يتساءلون عن الأنباء ليقين جميعهم أنه لا حجة لهم، ثم انتزع تعالى من الكفرة { من تاب } من كفره { وآمن } بالله ورسوله { وعمل } بالتقوى، ورجى عز وجل فيهم أنهم يفوزون ببغيهم ويبقون في النعيم الدائم وقال كثير من العلماء " عسى " من الله واجبة.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ظن حسن بالله تعالى يشبه فضله وكرمه واللازم من " عسى " أنها ترجية لا واجبة، وفي كتاب الله عز وجلعسى ربه إن طلقكن } [التحريم: 5]، وقوله تعالى: { وربك يخلق ما يشاء ويختار } الآية، قيل سببها ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقول بعضهملولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [الزخرف: 31] فنزلت هذه الآية بسبب تلك المنازع، ورد الله تعالى عليهم وأخبر أنه يخلق من عباده وسائر مخلوقاته ما يشاء وأنه يختار لرسالته من يريد ويعلم فيه المصلحة ثم نفى أن يكون الاختيار للناس في هذا ونحوه، هذا قول جماعة من المفسرين أن { ما } نافية أي ليس لهم تخير على الله تعالى فتجيء الآية كقوله تعالىوما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله } الآية [الأحزاب: 36].

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد و { يختار } الله تعالى الأديان والشرائع وليس لهم الخيرة في أن يميلوا إلى الأصنام ونحوها في العبادة، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: { سبحان الله وتعالى عما يشركون } ، وذهب الطبري إلى أن { ما } في قوله تعالى و { يختار ما كان } مفعولة بـ { يختار } قال: والمعنى أن الكفار كانوا يختارون من أموالهم لأصنامهم أشياء فأخبر الله تعالى أن الاختيار إنما هو له وحده يخلق ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس لا كما يختارون هم ما ليس إليهم ويفعلون ما لم يؤمروا به.

السابقالتالي
2