قوله تعالى: { وحرمنا } يقتضي أن الله تعالى خصه من الامتناع من ثدي النساء بما يشد به عن عرف الأطفال وهو تحريم تنقيص، و { المراضع } جمع مرضع واستعمل دون هاء التأنيث لأنه لا يلتبس بالرجال. وقوله تعالى: { من قبل } معناه من أول أمره، و { قبل } مبني، والضمير في { قالت } لأخت موسى قال النقاش اسمها مريم، و { يكفلونه } ، معناه يحسنون تربيته وإرضاعه، وعلم القوم أن مكلمتهم من بني إسرائيل وكان ذلك عرف بني إسرائيل أن يكونوا مراضع وخدمة، وقوله { وهم له ناصحون } يحتمل أن الضمير يعود على الطفل ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمره من جملته، وقال ابن جريج: إن القوم تأولوا أنها أعادت الضمير على الطفل فقالوا لها إنك قد عرفته فأخبرينا من هو فقالت: ما أردت إلا أنهم ناصحون للملك: فتخلصت منهم بهذا التأويل. قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يعود الضمير على الطفل ولكن يكون النصح له بسبب الملك وحرصاً على التزلف إليه والتقرب منه، وفي الكلام هنا حذف يقتضيه الظاهر وهو أنها حملتهم إلى أم موسى وكلموها في ذلك فدرت عليه وقبلها وحظيت بذلك وأحسن إليها وإلى أهل بيتها، و " قرت عينها " أي سرت بذلك، وروي أن فرعون قال لها: ما سبب قبول هذا الطفل؟ فقالت إني طيبة الرائحة طيبة اللبن ودمع الفرح بارد ودموع الهم حرّى سخنة فمن هذا المعنى قيل قرت العين وسخنت، وقرأ يعقوب " نُقِر " بنون مضمومة وكسر القاف، و { وعد الله } المشار إليه وهو الذي أوحاه إليها أولاً إما بملك وإما بمنامة وإما بإلهام حسب اختلاف المفسرين في ذلك، والقول بالإلهام يضعف أن يقال فيه { وعد } ، وقوله تعالى: { أكثرهم } يريد القبط، و " الأشد " ، جمع شدة كنعمة وأنعم، هذا قول سيبويه وقال غيره: " الأشد " جمع شد وقالت فرقة " الأشد " اسم مفرد وليس بجمع، واختلف في قدر الأشد من السنين، فقالت فرقة: بلوغ الحلم وهي نحو خمسة عشر عاماً، وقالت فرقة: ثمانية عشر عاماً، وقال السدي: عشرون، وقالت فرقة: خمسة وعشرون، وقالت فرقة: ثلاثون، وقال مجاهد وابن عباس: ثلاثة وثلاثون، وقالت فرقة عظيمة: ستة وثلاثون، وقال مجاهد وقتادة " الاستواء " أربعون سنة، وقال مكي وقيل هو ستون سنة وهذا ضعيف، و " الأشد " شدة البدن واستحكام أسره وقوته، و { استوى } معناه تكامل عقله وحزمه، وذلك عند الجمهور مع الأربعين، و " الحكم " الحكمة، و " العلم " ، والمعرفة بشرع إبراهيم عليه السلام وهي مقدمة نبوته عليه السلام، واختلف المتأولون في قوله تعالى { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } فقال السدي: كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون وكان يركب مراكبه حتى أنه كان يدعى موسى بن فرعون، فقالوا فركب فرعون يوماً وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف ثم علم موسى بركوب فرعون فركب بعده ولحق بتلك المدينة في وقت القائلة وهو حين الغفلة، قاله ابن عبس وقال أيضاً هو ما بين العشاء والعتمة، وقال ابن إسحاق بل { المدينة } مصر نفسها، وكان موسى في هذا الوقت قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون فكان مختفياً بنفسه متخوفاً منهم فدخل متنكراً حذراً مغتفلاً للناس، وقال ابن زيد: بل كان فرعون قد نابذه وأخرجه من المدينة وغاب عنها سنين فنسي أمره وجاء هو والناس على غفلة بنسيانهم لأمره وبعد عهدهم به، وقيل كان يوم عيد، وقوله تعالى: { يقتتلان } في موضع الحال أي مقتتلين، و { شيعته } بنو إسرائيل، و { عدوه } القبط، وذكر الأخفش سعيد " استعانه " بالعين غير معجمة وبالنون وهي تصحيف لا قراءة، وذكر الثعلبي أن الذي { من شيعته } هو السامري وأن الآخر طباخ فرعون، وقوله { هذا } { وهذا } حكاية حال قد كانت حاضرة ولذلك عبر بـ { هذا } عن غائب ماض، " والوكز " الضرب باليد مجموعاً كعقد ثلاثة وسبعين، وقرأ ابن مسعود " فلكزه " والمعنى واحد، إلا أن اللكز في اللحا، والوكز على القلب، وحكى الثعلبي أن في مصحف ابن مسعود " فنكزه " بالنون والمعنى واحد، " وقضى عليه " ، معناه قتله مجهزاً، وكان موسى عليه السلام لم يرد قتل القبطي لكن وافقت وكزته الأجل وكان عنها موته فندم ورأى أن ذلك من نزغ الشيطان في يده، وأن الغضب الذي اقترنت به تلك الوكزة كان من الشيطان ومن همزه، ونص هو عليه السلام على ذلك وبهذا الوجه جعله من عمله وكان فضل قوة موسى ربما أفرط في وقت غضبه بأكثر مما يقصد.