الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } * { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

" الالتقاط " اللقاء على غير قصد وروية، ومنه قول الشاعر [نقادة الأسدي]: [الرجز]

ومنهل وردته التقاطا   لم ألق إذ وردته فراطا
إلا الحمام القمر والغطاطا   فهن يلغطن به إلغاطا
ومنه اللغطة و { آل فرعون } أهله وجملته، وروي أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في اليم فأمرت بسوقه وفتحته فرأت فيه صبياً صغيراً فرحمته وأحبته، وقال السدي: إن جواريها كان لهن في القصر على النيل فرضة يدخل الماء فيها إلى القصر حتى ينلنه في المرافق والمنافع فبينا هنّ يغسلن في تلك الفرضة إذ جاء التابوت فحملنه إلى مولاتهن، وقال ابن إسحاق: رآه فرعون يعوم فأمر بسوقه وآسية جالسة معه فكان ما تقدم، وقوله تعالى: { ليكون لهم عدواً وحزناً } هي لام العاقبة لا أن المقصد بالالتفاظ كان لأن يكون عدواً، وقرأ الجمهور " وحَزَناً " بفتح الحاء والزاي.

وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش " وحُزْناً " بضم الحاء وسكون الزاي، و " الخاطىء " متعمد الخطأ، والمخطىء الذي لا يتعمده، واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون { قرة عين لي ولك } ، فقالت فرقة: كان ذلك عند التقاط التابوت لما أشعرت فرعون به سبق إلى وهمه أنه من بني إسرائيل وأن ذلك قصد به ليخلص من الذبح فقال عليّ بالذباحين فقالت امرأته ما ذكر فقال فرعون: أما لي فلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له " ، وقال السدي: بل ربته حتى درج فرأى فرعون فيه شهامة وظنه من بني إسرائيل وأخذه في يده فمد موسى يده ونتف لحية فرعون فهم حينئذ بذبحه وحينئذ خاطبته بهذا وجربته له في الجمرة والياقوته فاحترق لسانه وعلق العقدة، وقوله { لا يشعرون } أي بأنه الذي يفسد الملك على يديه قال قتادة وغيره، وقرأ ابن مسعود " لا تقتلوه قرة عين لي ولك " قدم وأخر، وقوله { وأصبح } عبارة عن دوام الحال واستقرارها وهي كظل، ومنه قل أبي سفيان للعباس يوم الفتح: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً يريد استقرت حاله عظيماً. وقرأ جمهور الناس " فارغاً " من الفراغ واختلف في معنى ذلك فقال ابن عباس: " فارغاً " من كل شيء إلا من ذكر موسى، وقال مالك: هو ذهاب العقل.

قال الفقيه الإمام القاضي: نحو قولهوأفئدتهم هواء } [إبراهيم: 43] وقالت فرقة " فارغاً " من الصبر، وقال ابن زيد " فارغاً " من وعد الله تعالى ووحيه إليها أي تناسته بالهم وفتر أثره في نفسها وقال لها إبليس فررت به من قتل لك فيه أجر وقتلته بيدك، وقال أبو عبيدة " فارغاً " من الحزن إذ لم يغرق، وقرأ فضالة بن عبد الله ويقال ابن عبيد والحسن " فزعاً " من الفزع بالفاء والزاي، وقرأ ابن عباس " قرعاً " بالقاف والراء من القارعة وهي الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابه رضي الله عنهم " فِرْغاً " بالفاء المكسورة والراء الساكنة والغين المنقوطة ومعناها ذاهباً هدراً تالفاً من الهم والحزن، ومنه قول طليحة الأسدي في حبال أخيه: [الطويل]

السابقالتالي
2