الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } * { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَأَنْ أَتْلُوَاْ ٱلْقُرْآنَ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } * { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

هذا وصف حال الأشياء يوم القيامة عقب النفخ في الصور، و " الرؤية " هي بالعين وهذه الحال لـ { الجبال } هي في أول الأمر تسير وتموج وأمر الله تعالى ينسفها ويفتها خلال ذلك فتصير كالعهن، ثم تصير في آخر الأمد هباء منبثاً، و " الجمود " ، التضام والتلزز في الجوهر، قال ابن عباس { جامدة } قائمة، ونظيره قول الشاعر [النابغة]: [الطويل]

بأرعن مثل الطود تحسب أنهم   وقوف لحاج والركاب تهملج
و { صنع الله } مصدر معرف والعامل فيه فعل مضمر من لفظه، وقيل هو نصب على الإغراء بمعنى انظروا صنع الله، و " الإتقان " الإحسان في المعمولات وأن تكون حساناً وثيقة القوة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر " يفعلون " بالياء وقرأ الباقون " تفعلون " بالتاء على الخطاب، و " الحسنة " الإيمان، وقال ابن عباس والنخعي وقتادة: " هي لا إله إلا الله، وروي عن علي بن الحسين أنه قال: كنت في بعض خلواتي فرفعت صوتي بـ " لا إله إلا الله " فسمعت قائلاً يقول إنها الكلمة التي قال الله فيها { من جاء بالحسنة فله خير منها } وقوله { خير منها } يحتمل أن يكون للتفضيل، ويكون في قوله { منها } حذف مضاف تقديره خير من قدرها واستحقاقها، بمعنى أن الله تعالى تفضل عليه فوق ما تستحق حسنته، قال ابن زيد: يعطى بالواحدة عشراً والداعية إلى هذا التقدير أن الحسنة لا يتصور بينها وبين الثواب تفضيل، ويحتمل أن يكون خبر ليس للتفضيل بل اسم للثواب والنعمة، ويكون قوله تعالى: { منها } لابتداء الغاية، أي هذا الخير الذي يكون له هو من حسنته وبسببها، وهذا قول الحسن وابن جريج، وقال عكرمة: ليس شيء خيراً من لا إله إلا الله، وإنما له الخير منها، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر " من فزع " بالإضافة، ثم اختلفوا في فتح الميم وكسرها من { يومئذ } فقرأ أكثرهم بفتح الميم على بناء الظرف لما أضيف إلى غير متمكن، وقرأ إسماعيل بن جعفر عن نافع بكسر الميم على إعمال الإضافة، وذلك أن الظروف إذا أضيفت إلى غير متمكن جاز بناؤها وإعمال الإضافة فيها.

ومن ذلك قول الشاعر [النابغة الذبياني]: [الطويل]

على حين عاتبت المشيب على الصبا   وقلت ألمّا أصحُ والشيب وازع
فإنه يروى " على حين " بفتح النون و " على حينِ " بكسرها، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " من فزعٍ " بالتنوين وترك الإضافة ولا يجوز مع هذه القراءة إلا فتح الميم من " يومَئذ " ، و " السيئة " التي هي في هذه الآية هي الكفر والمعاصي فيمن ختم الله تعالى عليه من أهل المشيئة بدخول النار، و { كبت } معناه جعلت تلي النار، وجاء هذا كباً من حيث خلقتها في الدنيا تعطي ارتفاعها، وإذا كبت الوجوه فسائر البدن أدخل في النار إذ الوجه موضع الشرف والحواس، وقوله { هل تجزون } بمعنى يقال لهم ذلك وهذا على جهة التوبيخ، وقوله { إنما أمرت } بمعنى قل يا محمد لقومك { إنما أمرت } ، و { البلدة } المشار إليها مكة، وقرأ جمهور الناس " الذي حرمها " ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود " التي حرمها " وأضاف في هذه الآية التحريم إلى الله تعالى من حيث ذلك بقضائه وسابق علمه وأضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى إبراهيم في قوله

السابقالتالي
2