الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَمَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } * { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ }

وقفهم في هذه الآية على المعاني التي تبين لكل عاقل أنه لا مدخل لصنم ولا لوثن فيها وهي عبر ونعم، فالحجة قائمة بها من الوجهين، وقوله تعالى: { يجيب المضطر } معناه بشرط إن شاء على المعتقد في الإجابة، لكن { المضطر } لا يجيبه متى أجيب إلا الله عز وجل، و { السوء } عام في كل ضر يكشفه الله تعالى عن عباده، وقرأ الحسن " ويجعلكم " بياء على صيغة المستقبل ورويت عنه بنون، وكل قرن خليف للذي قبله.

وقرأ جمهور القراء " تذكرون " بالتاء على المخاطبة، وقرأ أبو عمرو وحده والحسن والأعمش بالياء على الغيب، و " الظلمات " عام لظلمة الليل التي هي الحقيقة في اللغة ولظلمة الجهل والضلال والخوف التي هي مجازات وتشبيهات وهذا كقول الشاعر:

" تجلت عمايات الرجال عن الصبا "   
وكما تقول أظلم الأمر وأنار، وقد تقدم اختلاف القراء في قوله { نشراً } ، وقرأ الحسن وغيره، " يشركون " بالياء على الغيبة، وقرأ الجمهور " تشركون " على المخاطبة، و " بدء الخلق " اختراعه وإيجاده، و { الخلق } هنا المخلوق من جميع الأشياء لكن المقصود بنو آدم من حيث ذكر الإعادة، و " الإعادة " البعث من القبور ويحتمل أن يريد بـ { الخلق } مصدر خلق يخلق ويكون في { يبدأ } { ويعيد } استعارة للإتقان والإحسان كما تقول فلان يبدي ويعيد في أمر كذا وكذا إذا كان يتقنه، والرزق { من السماء } بالمطر ومن { الأرض } بالنبات، هذا مشهور ما يحسه البشر، وكم لله من لطف خفي، ثم أمر عز وجل نبيه أن يوقفهم على أن { الغيب } مما انفرد الله بعلمه ولذلك سمي غيباً لغيبه عن المخلوقين، ويروى أن هذه الآية من قولهم { قل لا يعلم } ، إنما نزلت لأن الكفار سألوا وألحوا عن وقت القيامة التي يعدهم محمد فنزلت هذه الآية فيها التسليم لله تعالى وترك التحديد، فأعلم عز وجل أنه لا يعلم وقت الساعة سواه فجاء بلفظ يعم الساعة وغيرها، وأخبر عن البشر أنهم لا يشعرون { أيان يبعثون } وبهذه الآية احتجت عائشة رضي الله عنها على قولها ومن زعم أن محمداً يعلم الغيب فقد أعظم الفرية، والمكتوبة في قوله تعالى: { إلا الله } بدل من { من } ، وقرأ جمهور الناس " أيان " بفتح الهمزة، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي " إيان " بكسرها وهما لغتان، وقرأ جمهور القراء " بل ادارك " أصله تدارك أدغمت التاء في الدال بعد أن أبدلت ثم احتيج إلى ألف الوصل، وقرأ أبي بن كعب فيما روي عنه " تدارك " ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر " بل ادرك " على وزن افتعل وهي بمعنى تفاعل، وقرأ سليمان بن يسار وعطاء بن يسار " بلَ ادّرك " بفتح اللام ولا همزة تشديد الدال دون ألف، وقرأ ابن كثير وأبو جعفر وأهل مكة، " بل أدرك " ، وقرأ مجاهد " أم أدرك " بدل " بل " ، وفي مصحف أبي بن كعب " أم تدارك علمهم " ، وقرأ ابن عباس " بل أدرك " وقرأ ابن عباس أيضاً " بل آدارك " بهمزة ومدة على جهة الاستفهام، وقرأ ابن محيصن " بل آدرك " على الاستفهام ونسبها أبو عمرو الداني إلى ابن عباس والحسن.

السابقالتالي
2